شتاء بارد وقارس, وليال شتوية صعبة وقاسية يعيشها السوريون اليوم, فعلى ما يبدو أن شتاء هذا العام سيكون أشد برودة من الأعوام السابقة, فدرجات الحرارة في هبوط مستمر, والبرودة تزداد يوماً بعد يوم مع الشروع بدخول البلاد في أربعينية الشتاء الشهيرة, والتي تعتبر من أشد أيام السنة برودة وصقيعا, ففيها تزداد هطولات الأمطار وتنخفض درجات الحرارة إلى مستويات قياسية ويتشكل الصقيع والجليد وتهطل الثلوج في أماكن عدة من البلاد, وكل ذلك يجري في ظروف استثنائية تمر بها البلاد التي ستدخل عامها السادس من عمر الثورة, وما نجم عنها من صراع مسلح شمل طول البلاد وعرضها.
واليوم بدأت ندف الثلج بالتساقط في أماكن متفرقة من البلاد ولم تقتصر على المرتفعات الجبلية فحسب, بل طالت أماكن متفرقة من وسط البلاد في الداخل, مصحوبة بموجة صقيع وتجمد, سيكون لها تأثير كبير على انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر.
صحيح أن السوريين يحبون الثلج, الذي يمثل لهم صورة جميلة من النقاء والطهر الباعث للفرح في القلوب, فتجد الأطفال يلعبون وسط حلة الأرض البيضاء ويتبادلون التقاذف بكرات الثلج وضحكاتهم المتعالية تكسر برودة المكان وصمت المعاناة والألم, حتى الكبار البالغين يمثل لهم هطول الثلج مشهداً مميزاً, ويخلق لهم جواً خاصاً من الفرح والسرور, لأن رمزية الثلج كبيرة في قلوبهم وقلوب كل السوريين, ولكن هل أبقت الحرب الظالمة التي يشنها النظام على الشعب مكاناً للفرحة في نفوس السوريين؟
خصوصاً أن موجات التهجير القسري التي بدأ النظام بتنفيذها مع حلفائه الروس والإيرانيين مازالت مستمرة, فالثلج حلّ ضيفاً ثقيلاً على جموع الحلبيين المحاصرين في أحيائهم والذين هم على موعد مع التهجير القسري في أفضل الحالات.
يقول “أبو رجب59 عاماً” وهو موظف متقاعد كان يعمل في مديرية “الجمارك العامة”: “دخلت أعتاب الشيخوخة, وعشت زمناً طويلاً مع أشد أيام السنوات برودة وصقيعا, وشهدت عشرات المرات من التساقطات الثلجية الغزيرة, وطالما رأيت الأرض بيضاء ترتدي حلتها الجميلة كالعروس المبتسمة في ليلة زفافها, وفي كل مرةٍ كنت أراقب النافذة واستمتع بمنظر الأرض, ولم أكن أتصور يوماً من الأيام, أنني سأدعو الله ألا يكرمنا بحلول أيام الثلج, وهذا ما حدث للأسف, فقبل حلول هذا المنخفض البارد الذي كنت قد سمعت بقدومه مسبقاً, دعوت الله في صلواتي أن يخفف عنا وعن المشردين والنازحين والمهجرين وطأة الثلج وبرودته, وتمنيت أن تتأجل الهطولات الثلجية حتى تضع الحرب الدائرة في سورية أوزارها, فالثلج جاء وحلب تذبح والناس يفترشون العراء, الحمد لله على نعمه وعلى كل حال”.
لطالما كان مشهد الثلج والبياض هو ملهماً للشعراء والأدباء, الذين كتبوا كثيراً عن جماله وهدوئه, ووظفوا أشعارهم التي ترمي للخير والنقاء من خلال رمزية الثلج بين السطور, هذا ما ألمح له “فؤاد” الشاب الذي كان طالبا في قسم اللغة العربية في جامعة حلب, وهو الآن منقطع عن الدراسة ويقيم في قريته الواقعة في ريف إدلب الغربي:
“كم قرأت من الأشعار التي تتحدث عن الحنين إلى البلاد من خلال رؤية الشاعر للثلج, وكم فهمت من الرسالات التي ألمح إليها الأدباء من خلال رواياتهم التي تحدثوا فيها عن الثلج, فمثلاً قصة فتاة بياض الثلج “فلّة والأقزام السبعة”, هي قصة ترمز لقلب تلك الفتاة الخيّر, واسمها مقرون ببياض الثلج, فالثلج خير, أما في الجانب الآخر لم ينس الأدباء التركيز على مآسي المشردين في الثلج, وآثاره الكارثية عليهم والتي قد تنتهي بالموت, كقصة “بائعة الكبريت” التي تجمدت أطرافها من برودة الثلج على رصيف مدينةٍ سكانها قساة القلوب, لن أسرح كثيراً في مخيلتي, فأنا كلما أنظر إلى الثلج أرى الخير, وأتذكر مأساة السوريين عموماً والحلبيين خصوصاً, فكم سيقتل الثلج أطفالاً مشردين نائمين في العراء على أرصفة أحياء حلب المحاصرة المدمرة, اللهم لا تحرمنا من خير الثلج وجنبنا مآسيه!”.
هذه صورة جزئية عن مشاعر السوريين المختلطة جرّاء سقوط الثلج في البلاد, فالسوري طيّب بطبعه يحب الخير, لذلك كان ومازال يحب نقاء الثلج, إلا أن هذا النقاء لم تكتمل صورته, لأن مأساة الحرب والتشرد مازالت حاضرة.
المركز الصحفي السوري- فادي أبو الجود