منذ أن غدت الثورة السورية حربا تشنها قوات النظام على المدنيين في مختلف المحافظات، بدأت حركات نزوح داخل البلاد تلتها موجات لجوء إلى الدول المجاورة قبل أن تتحول إلى مد كبير يقتحم البحر بحثا عن الحياة فلا يلقى في معظم الأحيان إلا الموت.
وهكذا بدأت قصة اللاجئين السوريين الحزينة مع البحر الأبيض المتوسط الذي يلوح لهم ما وراءه من أحلام الأمن والرفاهية المفقودة، فيقتحمونه بالمراكب المتهالكة ولا يخرجون منه في الغالب إلا جثثا أو عائدين في أيدي منقذيهم إلى نقطة البداية.
وأمس فقط ألقى البحر بجثث عشرات الأطفال والنساء من اللاجئين السوريين على سواحل مدينة باليكسير التركية، بعد أن غرق مركبهم في عرض البحر الأبيض المتوسط.
فهذا الغريق المكفن بالطين انطفأ حلمه الأوروبي غير بعيد من الشاطئ، وها هي جثته تعود من جديد إلى حيث انطلق دون أن يصل إلى مبتغاه ولو ميتا.
وهذا الطفل توسد رمال البحر ليعيش الراحة الأبدية بعد عناء طويل ومحاولة مريرة للبحث عن الحياة في بلاد الآخرين بعد أن لفظته بلاده.
وفي كيس كبير جاء منقذان لا ليعيدا هذا الغريق إلى الحياة، بل ليحملا جثمانه إلى مكان ما يستقر فيه آخر الزمن.
وحتى البحر لم يرحم هذه الصبية فيبقيها في أحشائه، بل قذف بها على الشاطئ ليعيدها من حيث أتت، إمعانا في النكاية بأحلام التائهين بعد أن ضاقت بهم بلادهم.
ولم تق سترة النجاة لابستها من غرق يبدو أنها كانت تتوقعه، وقذفت بها الأمواج غير بعيد من منطلقها.
وعلى هذه الرمال تخلص البحر من مجموعة أخرى من اللاجئين يمر بهم المنقذون وكأنهم يحصونهم لضبط أعداد الموتى ثم يتجاوزون.
ولا يألو رجال الإنقاذ جهدا في جمع الجثث وكأنهم مصرون على إعادة هؤلاء الهاربين من القتل والدمار أموات إلى البلاد التي هربوا منها يبحثون عن الحياة.
ويلتقط المتفرجون الصور كأنما يوثقون النقطة التي وصل إليها هذا الغريق بعد أن انتهت مسيرته على حين غرة على شاطئ البحر.
ويأتي المنقذون ليرفعوا هذا الغريق الذي دفن في رمال الشاطئ بعد أن دفن البحر حلمه بحياة آمنة وعيش كريم خرج يبحث عنه من بلاده التي جارت عليه.
يشار إلى أن أعدادا كبيرة من اللاجئين، معظمهم من سوريا، استطاعوا عبور البحر والوصول إلى أوروبا حيث يأملون أن يجدوا حياة الأمان التي فقدوها في بلادهم، غير أن عشرات الآلاف كذلك ابتلعهم البحر وعادوا جثثا إلى الشاطئ.