يعدّ عامل الأمن والأمان من أهم مرتكزات العيش في دولة مستقرة ذات سيادة وملتزمة بأداء واجباتها الأساسية تجاه شعبها, فمن حق الشعوب التي تعيش داخل نطاق أراضي دولها أن تتمتع بعوامل الأمن والأمان فيما يخص الأرواح والممتلكات.
لكن هناك استثناءات في حالات الحروب والنزاعات المسلحة, والمقصود هنا بكلمة استثناءات ليس تشريعاً, وإنما أحداث طارئة تحدث في فترات معينة ومختلفة نتيجة الفوضى العارمة التي تشوب ظروف الحرب, وتشمل الفوضى العديد من الجوانب الأمنية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية التي تعد ركائز هامة لنشوء واستقرار الكيان البشري كشرط هام من شروط قيام الدولة.
وفي سورية وبعد أن تحولت الثورة السلمية إلى نزاع مسلح غير متكافئ بين الأصوات الثورية المنبثقة عن الشعب الثائر وقوات نظام الاستبداد, بدأت تلوح في الأفق العديد من مظاهر الفوضى التي عمل النظام على تكريسها, بل غذّاها في كثير من الأحيان وخصوصا بعد مرور العام الأول على بدء الكفاح المسلح, فبدأ النظام “يعزف” على وتر غياب عوامل الأمن والأمان عن المناطق المحررة التي باتت خارج نطاق سلطته, تارة بالتركيز عليها في وسائل إعلامه, وتارة أخرى بتغذية بعض الخلايا النائمة التي من شأنها العمل على زرع القلاقل التي تمس أمن المواطنين.
وبالتأكيد فإن الغاية من وراء كل ذلك هي غاية واحدة تتمثل بإظهار النظام نفسه بأنه الضامن الوحيد لأمن واستقرار الشعب السوري في الداخل, وأن البديل عنه سيكون عاجزاً عن تأدية مهامه الأساسية في حفظ الأمن والسلم الأهليين.
وللأمانة نقول: بعيداً عن التحيز, فقدان الأمن كان واضحاً وجلياً في بعض المناطق المحررة, في حين إن العديد من المناطق الأخرى هيأت لنفسها العديد من الأدوات والوسائل المتاحة للحفاظ على عامل الأمن.
يقول “وليد القدور” “27عام”, الذي كان طالباً في كلية الحقوق بجامعة حلب: “علينا بدايةً أن نفرّق بين مصطلحي الأمن والأمان, أنا أعتقد أن الأمان هو البيئة الحاضنة للأمن, وبمعنى آخر هو مجموعة الظروف والعوامل التي تتوافر في الدولة وتتعلق بشكل مباشر باستقرارها, وهنا بيت القصيد في سورية, لأن من يتحمل مسؤولية فقدان الأمان هو الطرف الذي يملك الأسلحة الفتاكة من الطائرات والقنابل والمدافع الثقيلة التي يستخدمها النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون في قصف وتدمير وتهجير السكان المدنيين من مناطقهم وأراضيهم, ويدرك القاصي والداني هذا الأمر جيداً, لذلك لا حجة للنظام فيما يخص هذه المسألة.
أما عنصر الأمن وحفظ السلم الأهلي في مناطقنا, فهذه قضية تتعلق بنا ونحن من نصنع أدواتها بأنفسنا, لذلك نشأت العديد من التجارب الناجحة التي شملت تشكيل ما يسمى “بالأمنيات”, وأسام الشرطة الحرة والمحاكم الشرعية التي تبت وتحكم في جميع الدعاوى والشكاوى التي تعرض عليها من قبل المواطنين, صحيح أن هناك العديد من الهفوات التي لا بد منها نتيجة تأثير عامل فقدان الأمان على المهام الأمنية كالقنص مثلاً, لكن بالمجمل التجربة الأمنية الشعبية جيدة وتحتاج للمزيد من الدعم”.
طرحت مسألة حفظ الأمن في المناطق المحررة مؤخراً بشكل كبير من العديد من الناس المقيمين داخل المناطق المحررة, وذلك بعد موجة من الشائعات التي روّجت لها وسائل إعلام النظام المختلفة عن انتشار أعمال الخطف والسلب والسرقة والقتل داخل المناطق المحررة كجزء من الحالة الإعلامية التي تقودها الأجهزة الإعلامية للنظام والتي تستهدف وبشكل مباشر نزاهة الثورة والثوار وتظهِر عجزهم, لذلك يدرك الشعب السوري أهداف النظام جيداً ويحتاط لكل الشائعات والأحداث.
المركز الصحفي السوري- فادي أبو الجود