قبل خمس سنوات ترك أبو قصي السوري موطنه مع أسرته هربا من ويلات الحرب، تاركا خلفه عمله القديم في شركة تجارية، مستهدفا الهجرة إلى مصر لإقامة مشروع استثماري.
أبو قصي، فضل مصر دون غيرها من البلدان العربية لأنها ـ من وجهة نظره ـ الأفضل لإقامة أي مشروع استثماري، نظرا لضخامة عدد سكانها الذي يتجاوز 90 مليون نسمة.
ومنذ قدومه إلى مصر عمل أبو قصي، كما روى في حديثه مع “الأناضول”، على إنشاء مشروع يستطيع من خلاله تدبير نفقات إقامته وحياته المعيشية لأسرته المكونة من 5 أفراد، ليقرر فتح مطعم للأكلات السورية التي يفضلها المصريون.
في غضون فترة قصيرة استطاع أبو قصي بمساعدة سوريين آخرين هربوا معه من جحيم الحرب في بلادهم، أن يؤسس لنفسه مكانا في شارع الهرم أحد الشوارع الشهيرة في محافظة الجيزة (غرب القاهرة)، نظرا “لجودة الطعام الذي يقدمه بأسعار معقولة مقارنة بمحلات طعام مصرية”.
يكمل أبو قصي حديثه مع “الأناضول”: “المصريون يقبلون على المطاعم السورية بصورة لافتة للنظر، وخلال السنوات الماضية ذاع صيت العديد منها لتنافس أكبر المطاعم المصرية والعالمية التي تزدحم بها القاهرة وأكبر المدن”.
لم يقتصر العمل في مطعم أبو قصي على صديقه “أبو عبد الله” وبعض السوريين الآخرين، بل امتد لتشغيل عمال مصريين أيضا لتقديم الأكلات المصرية بجانب السورية حتى يلبي المطعم الجديد جميع متطلبات زبائنه.
ويحكي أبو قصي أنه “رغم قسوة العيش في مكان خارج الوطن لكن لا يزال هناك الكثير من السوريين لا يجدون بديلا سوى الاستمرار بالإقامة في الخارج، وعدم العودة إلى سوريا ومواجهة الموت بشتى أشكاله”.
ويقول أبو قصي، إن “رجال الأعمال السوريين افتتحوا مصانع ومطاعم كثيرة في مناطق مختلفة من مصر، لم تقتصر على تشغيل أيدي عاملة سورية بل امتدت لتشغيل المئات من المصريين”.
أوضاع صعبة
وفي هذا الصدد، يقول أستاذ الاقتصاد محمد يسري (مصري)، إن “المستثمرين السوريين يقبلون على مصر كونها تمتلك السوق الداخلية الأكبر عربيا، والموقع الجغرافي الأفضل والأقرب إلى الأسواق التصديرية في الخليج وإفريقيا وأوروبا”.
ويضيف يسري في حديث مع “الأناضول”، أن “مصر تعتبر مكانا جيدا للسوريين الذين لا يرغبون العيش بمخيمات اللاجئين، وهذه ميزة جيدة للغاية رغم الظروف الصعبة التي تواجهها مصر سواء من الناحية الاقتصادية أو حتى الأمنية”.
وأكد أن طول أمد الحرب في سوريا دفع المستثمرين السوريين لفتح مشاريع تجارية في مصر، لا سيما أن القانون في مصر يسمح للسوري بتملك الأراضي والمحلات التجارية.
تراخيص تجارية
ويروي فواز السوري (صاحب محل أعمال سباكة بالقاهرة) لـ “الأناضول”، أن أغلب السوريين في مصر يعملون بلا تصاريح عمل، وهذه ميزة لا يجدونها في العديد من الدول العربية الأخرى، ولا يعرضهم للمساءلة القانونية أو العقوبة أو الترحيل كما يحدث في دول الخليج.
وبحسب فواز، يعمل السوريون في الصناعة والتجارة والمهن الحرة والخدمات، ولكن المطاعم والمقاهي هي أكثر الأعمال التي يقبل عليها اللاجئون في مصر، بالإضافة إلى معارض المفروشات والملابس السورية بشكل كبير في القاهرة.
تسهيلات كبيرة
ويؤكد محسن خضير المحلل الاقتصادي (مصري)، أن “الحكومة المصرية قدمت تسهيلات كبيرة للاستثمارات السورية في مصر طوال السنوات الماضية حتى نشطت”.
وأضاف خضير في حديثه مع “الأناضول” أن “السوريين في مصر يلقون معاملة جيدة سواء من الشعب المصري أو حتى من قبل الدولة، والدليل على ذلك وجود أحياء كاملة للإخوة السوريين في مصر لا سيما مدينة السادس من أكتوبر بالجيزة (غرب)”.
وأوضح خضير أن “مصر قدمت ولا تزال تسهيلات كبيرة لدعم الاستثمارات السورية، مثل تسهيل إقامة المعارض لبيع السلع والمنتجات السورية، بجانب تسهيل عملية تأجير العقارات لافتتاح محلات بيع السلع الغذائية، والمفروشات”.
مشروعات تجارية
ووفقا لتقرير صادر مؤخرا عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، فإن اللاجئين السوريين أسهموا عن طريق عدد من المشروعات التجارية في ضخ 800 مليون دولار داخل السوق المصري منذ عام 2011 حتى الآن.
وأشار التقرير الذي صدر عن البرنامج الإنمائي بعنوان “توفير فرص العمل يحدث الأثر المنشود”، إلى أن السوريين استطاعوا الدخول إلى الاقتصاد المصري، والمشاركة برأس مال قدر بالملايين خلال السنوات الماضية.
وبحسب التقرير من المحتمل أن يكون هذا التقدير أقل من الرقم الفعلي، لأن عددا كبيرا من المشروعات التجارية السورية لا تكون مسجلة أو تسجل تحت اسم مصري.
المصدر: الاناضول