هذه ليست دعارة! الحديث عمّا تم اكتشافه في لبنان، أخيراً، من استعباد نساء سوريات في زنازين تابعة لملهى ليلي في ضواحي بيروت الشرقية، وإجبارهن على ممارسة الجنس بوحشية، ليس حديثاً عن شبكة دعارة عادية، نسمع بها كل يوم. هناك فرق بين ممارسة الدعارة اختياراً بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية واستدراج نساء بالتحايل وإجبارهن على ممارسة الدعارة من غير أن يترك لهن الخيار للرفض.
عرفت مجتمعات العالم المختلفة الدعارة منذ وجد التاريخ البشري، وقد عرفت العرب في الجاهلية الدعارة، وقد سميّت المومسات صاحبات الرايات، حيث كنّ يضعن راياتٍ على الخيام، لتدل على عملهن. ثم جاء الإسلام بقوانين وشرائع تحد من تغول الشهوات، وأعطى للرجال الحق بالزواج من أربع، وكان العصر العباسي عصر الجنس بلا منازع. وعرفت الحضارات القديمة الإغريقية والرومانية استعباد النساء، بغرض تقديم الخدمات الجنسية للرجال.
وعندما بدأت تجارة الجنس تستخدم المال لاستمرارها، تطورت هذه المهنة تطوراً هائلاً، حتى وصلت إلى أعلى الدرجات في عصر الإنترنت اليوم. ولم تكن تجارة الجنس لتصبح تجارة حقاً، من دون القوادين. وعليه يمكن القول إن تجارة الجنس هي تجارة القوادين، وليست النساء أدواتها المسحوقات.
ويقدّم لنا التاريخ القديم والحديث أمثلةً عن العنف الجنسي المرتكب بحق النساء، ففي الحرب العالمية الثانية، استعبدت اليابان حوالي مليون ونصف مليون امرأة من كوريا والصين وإندونيسيا والفيليبين خادمات جنس للجنود اليابانيين، واستخدم النازيون نساءً ألمانياتٍ، كن على علاقةٍ بيهود أو يهودياتٍ في معسكرات الاعتقال، للتخفيف من احتقان المعتقلين أو الجنود.
ليست شبكة “شي موريس” في بيروت التي كشفت، أخيراً، فضيحةً بالمعنى الأخلاقي المتداول في الصحف والميديا اللبنانية، فالفضائح تكون، عادةً، عندما يكون المجتمع سويّ الأخلاق، أو على الأقل، غير منكشف العورات الأخلاقية، ونحن، هنا، أمام مسألةٍ بالغة التعقيدات، ويحتاج فهمها إلى الغوص عميقاً في تحليل العلاقة السيكولوجية المركبّة التي حكمت السوريين واللبنانيين، مجتمعين في العقود الخمسة الماضية، والتي من سماتها الواضحة علاقة الخضوع والسيطرة ونزعتا الفوقية والدونية والسادية والمازوخية، فلطالما ظهرت نظرة التعالي لدى لبنانيين كثيرين تجاه السوريين ما قبل التدخل العسكري السوري، في منتصف السبعينيات، حين عمل مئات آلاف من السوريين في لبنان أيدي عاملة رخيصة في أعمال السخرة والبناء.
وأنتج الاحتلال السوري لبنان في السبعينيات، والهيمنة على الحياة اللبنانية أكثر من ثلاثة عقود، شعوراً بالكراهية تجاه السوريين، تخللته مشاعر من الفوقية الخفية والدونية المعلنة، نتيجة التسلط السوري، والرعب من الاعتقال أو القتل.
وكما خضع لبنانيون لقوة الطغيان السوري، وتعاملوا معه ضد مواطنيهم، شهدنا في حادثة الاستعباد الجنسي، أخيراً، سوريين مساعدين للقوّادين اللبنانيين في “شي موريس” ضد مواطنات سوريات.
ومن العبث إنكار التأثيرات المدمرة للمأساة السورية عمّا حدث في أقبية الملهى الليلي، فالسوريون اليوم أصبحوا من الهشاشة والضعف، نتيجة القتل والتشريد والتدمير بواسطة نظامهم وحلفائه، ما يجعل الآخرين يستسهلون استغلالهم، خصوصاً أن النساء، في هذا الوضع، يمثلن الحلقة الأضعف في المجتمع السوري. وكان تصريح إحدى المفرج عنهن عن نيتهن الاتصال بحزب الله، بهدف إنقاذهن، ذروة المأساة في هذه الحكاية المريرة، فالتحليل المعمق لكارثة السوريين الإنسانية وتفكك مجتمعهم سيقودنا إلى أن دور حزب الله في سورية سهّل حصول تلك المذبحة لكرامة هؤلاء النساء وإنسانيتهن، فقد قدّم لقوّاد “شي موريس” تعلّة لاواعيةً لاستعباد السوريات، بلا خوفٍ من العدالة، فحزب يقتل ويجوّع أشد وطأة من قوّادٍ يجلد ويجهض ويسجن نساءً صرن ضحايا جميع القتلة المستبدّين.
العربي الجديد – نصري حجاج