” يا الله على السوركه السوركه يا موان…..يا موانة السوركه”.. كانت تلك صيحات بائع السوركه الذي يستيقظ من الصباح الباكر ساعياً وراء رزقه ورزق عياله الصغار راجياً من ربه ألا ينتهي يومه إلا وقد باع كل ما كان يحمله على عربته التي استعارها من والده المسن بكل ممنونية.
يمشي أبو عمر بخطىً بطيئة وعيونه تلتفت يميناً ويساراً لعل أحدهم يشير إليه ولسان حاله يقول “توكلنا عليك يا رزاق”، نظرت أم محمد من نافذتها الخشبية تراقب أبا عمر قائلة لزوجها “ما شاء الله تعال وشوف ما أشهى هذه السوركة التي طازجة وبهية اللون” نهض زوجها من فراشه قائلاً “الله يرزقه ويرزقنا.. يا رب.. رح انزل وافتح المحل بكّير اليوم.. الله يرزقنا يا فتاح يا عليم” .
من خلف العربة تنهد أبو عمر بنفس عميق وبحرقة قلب “في كل مساء أشتري الحليب لقد كان سعره مقبولاً فلم يتجاوز سعر الكيلو منه 25 ليرة لكن الآن بعد الثورة ارتفع أربعة أضعاف وهز رأسه متحسراً، ..كما كان تحضيره أسهل بوجود أنبوبة الغاز لكن مع ارتفاع ثمنها الذي تجاوز 7 آلاف ليرة سورية لم يعد بوسعي شراؤها وها أنا كل يوم أعمد إلى تجميع العيدان والأغصان مع قليل من الخشب القديم من الأثاث لأطبخه عليها ومنذ صلاة الفجر أخلط اللبن مع القريشة مع قليل من الملح…آه حتى الملح أصبح مكلفا.
ويجول في فكر أبي عمر أمر طالما حافظ على فعله فهو لا ينسى أن يترك صحنا صغيرا لوالديه الكبيرين وصحنا آخر لأطفاله الصغار..” اللهم أعني على دوام ذلك”.
كنت بالأمس وقبل الثورة أصنع كميات كبيرة تكفي البلدة كاملة لكن مع الظروف الصعبة وغلاء الحليب الذي لم يعد حتى الأطفال يشربونه، لم يعد بوسعي صنع الكثير منها حتى إن الناس لم تعد تشتري الكمية المعتادة، لكن دوماً أشكر الله على نعمه راجياً منه تبديل الحال للأحسن.
شعر أبو عمر بيد دافئة تربت على كتفه وصوت مألوف يدخل قلبه قبل اذنيه سلم الله قلبك بما انت شارد يا أبا عمر؟،يدمدم أبو عمر اهلا ابا محمد، بالعيال.. بالعيال.. وبم سيفكر كل منا هذه الأيام غير بتحصيل قوت يومه؟!
يبتسم أبو محمد ” والله هموم.. معك حق يا أخي حتى… الشاي التي نشربها بجانب السوركة أصبحت دون سكر؟ لن نيأس أبداً مادامت الحياة مستمرة ومادامت الروح تسكن أجسادنا…هونها بتهون ..يكفي أنك تعود إلى بيتك آخر اليوم لتشاهد أطفالك يتسارعون إليك فرحين من منهم يستطيع تقبيل يدك أولاً”.
يبتسم بدوره أبو عمر فاهما أنه لن يشرب كأس الشاي الذي كان يقدمه له أبو محمد كل يوم خلال استراحته أمام دكانه…
يهم أبو عمر بدفع العربة وفي قلبه حرقة كبيرة الملح والسكر مكلفان في الحياة فلمَ اختفت حلاوة الدنيا وبقي علقمها.. سؤال ردده أبو عمر طوال فترة تجواله ممزوجا ب” يا الله على السوركه السوركه يا موان…..يا موانة السوركه”.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد.