في كل عام يأتي رمضان، ليكون موسم رواج الإعلانات الأهم على مدار الموسم، وكل الشركات والمؤسسات تعد له وتضخ فيه الأموال، ليخرج إعلانها على النحو الأفضل ويجذب أكبر كم من شريحة المشاهدين التي تستهدفها، ولا يخلو عام من إعلانات تثير الجدل والحنق أحيانًا، وربما كان رمضان 2017، هو الأكثر إثارة للجدل من حيث الإعلانات، مقارنة بسابقيه.
1- إعلان «زين»: ذنب «الطفل عُمران» في رقبة من؟
بصوت طفل في الخلفية يقول: «سأخبر الله بكل شئ»، افتتحت عملاقة الاتصالات الكويتي «زين» إعلانها لرمضان هذا العام، والتي استعانت فيه بالمطرب الإماراتي حسين الجسمي، الإعلان يصور مشهدًا تمثيليًا، يسعى فيه رجل إلى تفجير نفسه في وسيلة مواصلات بحزام ناسف، قبل أن يبدأ حوار ملحّن بينه وبين الضحايا الذين يخبرونه أن الله برئ من فعلته، وينشد الجسمي قائلا «اعبد ربك حباً لا رعباً، كن في دينك سهلاً لا صعباً، خالف ندّك سلماً لا حرباً، اقنع غيرك ليناً لا غصباً».
وكما هو واضح، فإن الإعلان هدفه التوعية ضد «التطرف الديني» أو«الإرهاب الإسلامي»، لكن الشركة قد وقعت فيما وصفه رواد مواقع التواصل الاجتماعي بـ«المغالطة» حين أدرجت الطفل السوري «عمران دقنيش» كأحد ضحايا الإرهاب في هذا الإعلان.
«عمران قطنيش» هو طفل سوري من مدينة حلب، أصبح أيقونة عالمية أواخر العام الماضي بعدما انتشرت صورة له عقب انتشاله من تحت الأنقاض إثر غارة من قوات الأسد، وبدا وهو جالساً بهدوء في مقعد سيارة الإسعاف، بوجه مغطى بالغبار والدماء، يتحسس جراحه وبالكاد يفتح عينيه من أثر الصدمة والذهول.
ورأى الكثيرون من رواد شبكات التواصل الاجتماعي في ظهور الطفل عمران في الإعلان «تشويهًا للحقيقة» ومحاولة لحصر العنف والإرهاب بالجماعات الإسلامية دون غيرها، إذ أن عمران راح ضحية «إرهاب الأسد» كما يسمونه، وليس بيد الجماعات الإسلامية كما يحاول الإعلان أن يصور.
وتشير الإحصاءات إلى أن نظام الأسد هو الأكثر ممارسة للعنف بحق الأطفال في سوريا، فبين عامي 2011 و2016 ، قتل نحو 20 ألف طفل إما بالبراميل أو القنابل أو الغازات السامة أو بالقنص المباشر، كما مر حوالي 11 ألف طفل تحت سن الـ18 بتجربة اعتقال في سجون النظام.
2- «طلعت حرب راجع»
فوجئ المصريون قبل أسابيع قليلة بلافتات تنتشر في شوارع القاهرة وتحمل صورة رجل الاقتصاد المصري الشهير «طلعت حرب» – المتوفى عام 1941- مع عبارة «طلعت حرب راجع»، وهو ما أثار وقتها الاستغراب والدهشة التي لم تخلُ من طرافة، وإن أدرك الكثيرون أن تلك اللافتات هي بداية لحملة ما لأحد البنوك أو الشركات الكبرى.
سرعان ما تبين تبعية تلك الحملة لـ«بنك مصر»، وأنها تهدف إلي الترويج لقروض المشروعات الصغيرة التي يقدمها البنك، وقد أنتج البنك إعلانا تليفزيونيا للترويج لتلك القروض، يظهر الإعلان «محمدين وحسنين» وهما أبناء عمومة ، اختار أحدهما أن يجرب حظه مع قرض البنك، فابتسمت له الأقدار وصار من الأثرياء، فيما اختار الآخر أن يسلك طريق الهجرة «غير الشرعية» إلى إيطاليا، حيث انتهى به الحال «منظفًا للصحون» في أحد المطاعم، قبل أن يصبح مطاردا من قبل الشرطة.
لاقي الإعلان هجوما علي شبكات التواصل الاجتماعي، إذ استهجن البعض عرض لقطات حقيقية لغرق مركب هجرة غير شرعية، وهو الأمر الذي يعد استخفافا بمشاعر الضحايا وآلامهم، دون الأخذ في الاعتبار أن من يسلك طريق الهجرة ويخوض الأهوال عبر البحار لا يفعل ذلك إلا مجبرا، وبعد استنفاد كل سبل العيش الكريم في وطنه الأم.
كما امتد النقد للاعتراض علي السيناريو الاقتصادي الذي يروج له الإعلان، و«الصورة الوردية» التي يوحي بها، وكأن الإعلان يلقي باللوم علي الشباب الذين يتكاسلون عن البدء في مشروعاتهم الخاصة، متجاهلا الظروف السياسية والاقتصادية التي يجب أن تتوفر لنجاح تلك الاستثمارات الصغيرة على مستوى واسع.
3- «إعلانات التبرع»: الخدمات مسؤولية الدولة أم الشعب؟
«– ازيك يا عفاف، انتي البلد بتاعتك اسمها إيه؟
= كفر نصر
– عندك ما شاء الله كله بنات، عايشين ازاي دخلكم منين؟
= علي باب الله، ولا دخل ولا حاجة ، المية مش لاقيين نشربها
= بنروح نملي من البحر وخلاص، بنمشي كتير أوي عقبال منجيب المية
– وريني المية ، هي دي اللي بتشربي منها؟
= أيوة هي دي
– يللا الله يكون في عونك، معلش»
كان ذلك هو الإعلان الذي أنتجه «بنك الطعام المصري»، وظهرت فيه الفنانة دلال عبد العزيز مع سيدة فقيرة وبناتها، ليس لديهن ماء للشرب، وتضطر للسير مسافة طويلة للحصول على المياه التي تكون بالنهاية غير نظيفة وغير صحية، قبل أن تظهر دلال عبد العزيز في نهاية المقطع لتخبرنا بأن تكلفة توصيل المياه لبيت عفاف وأمثالها تكلف حوالي 2000 جنيه فقط، في دعوة للمصريين للتبرع والمساعدة.
المؤسسة نفسها أنتجت إعلانًا للفنان المصري عمرو سعد، حيث ظهر الفنان وهو يقبل رأس سيدة بسيطة تسكن منزلاً من غرفة واحدة، وتشكو من بيعها خواتم ذهبية كانت تمتلكها من أجل إجراء جراحة تمكنها من الرؤية، وهي الجراحة التي لم تؤت ثمارها تماما، ليظهر صوت في النهاية طالبا المصريين بالتبرع لمساعدة تلك السيدة وأمثالها.
لم تكن إعلانات بنك الطعام هي الوحيدة، بل إن الشاشات قد حفلت بالإعلانات التي تطالب المصريين بالتبرع، بدءا من المال وحتى الدعوة للتبرع بالملابس للجمعيات الخيرية، وهو الأمر الذي أثار غضب الكثير من النشطاء علي شبكات التواصل، فهم يرون أن توفير الخدمات الأساسية للمواطنين مسؤولية الدولة بشكل أساسي، فلهذا توجد الدول أصلا، وتلك الإعلانات بما تظهره من افتقار شرائح واسعة للخدمات الأولية، تستدعي محاسبة المسؤولين قبل مطالبة بالتبرع، من وجهة نظر البعض.
كما انتقد البعض إنتاج تلك المؤسسات إعلانات بالملايين، تستعين فيها بنجوم كبار، مطالبين بتوجيه تلك الأموال توجيها صحيحا لتوفير الخدمات للمحتاجين، بدلا من الإنفاق علي إعلانات باهظة، وبرأي الكثيرين، فإن من المثير للتعجب والمفارقة معا، أن السيدة الفقيرة «عفاف» التي ظهرت في إعلان «دلال عبد العزيز» قد ظهرت في مقطع لاحق لتؤكد أن مشكلتها لم تُحل، بل إن منتجي الإعلان قد صوروها وغادروا دون أن يبحثوا عن حل لمأساتها.
4- إعلان مستشفى بهية: «الملافظ سعد»
إعلان «مُخيف»، هكذا وصف الكثيرون إعلان مستشفى بهية لعلاج سرطان الثدي لهذا العام، يبدأ الإعلان بعرض إحصائية موجهة للرجال بأن واحدة من كل 8 سيدات معرضة لخطر الإصابة بسرطان الثدي، ثم يضيف «الدور علي مين – من قرايبك ؟»
أثار هذا الإعلان غضب الكثير من النشطاء الذين اعتبروه «مخيفا» في طريقة عرضه الترهيبية، كما انتقدوا اقتصار الخطاب الموجه علي الرجال فقط، بالرغم أن بإمكان النساء أيضا تقديم الدعم للمؤسسة ومساندتها لتحقيق أهدافها.
ساسة بوست