تصعيد الخلاف الإيراني السعودي قد يؤثر على مسيرة السلام في سوريا، وهذا جزء من المشهد الدولي المختلف بشان سوريا (الولايات المتحدة وأوروبا إزاء روسيا). مع المخاوف تستمر المساعي ويبدو أنّ ضوءًا ما زال يظهر في آخر النفق.
تصاعد التوتر بين إيران والسعودية وبدأ يأخذ أبعادا دولية، وهو حتما يؤثر بشكل مباشر على خطط السلام في سوريا، حيث أن البلدين هما واجهتا الخلاف الإقليميتان بشان سوريا. في هذا السياق نقلت وكالة رويترز للأنباء عن وزير الخارجية الألمانية فرانك ـ فالتر شتاينماير في تصريح لصحيفة بيلد قوله” “أتمنى أن ينتهي التوتر قريبا ويغلب العقل وتركز الرياض وطهران على ما هو مهم بالفعل وهو نزع فتيل الصراعات المسلحة والسعي إلى حلول سياسية في سوريا واليمن وغيرهما وبالتالي سحب البساط من تحت قدمي تنظيم الدولة الإسلامية”. وقبل هذا القول دعت الحكومة الألمانية الرياض وطهران إلى بذل كل ما في وسعهما “لاستئناف علاقاتهما” محذرة من أن برلين قد تفرض قيودا على صادرات السلاح للسعودية.
الموقف السعودي- الغربي
لكن السؤال الملح في هذا الوقت هو، كيف يمكن أن تؤثر الأزمة الحالية على مساعي السلام في سوريا؟ وعن هذا السؤال أجاب الصحفي لؤي المدهون رئيس تحرير القسم العربي في موقع قنطرة الألماني بالقول: “أتوقع أن تؤثر الأزمة في العلاقات بين السعودية وإيران بشكل سلبي على الجهود الدولية المقرر أن تستأنف في جنيف بين ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة سعيا للوصول الى تسوية للحرب في سوريا، التي تحولت إلى حرب بالوكالة. وأعتقد أن السعودية وإيران ستزيدان في الأسابيع القادمة من دعم القوى الموالية لهما”.
لا تريد السعودية، كما يبدو، أن تتعثر مسيرة تسوية الأزمة السورية متأثرة بالتصعيد الذي تشهده علاقاتها مع إيران، وفي هذا السياق أعلن السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي أنّ الأزمة مع إيران “لن يكون لها تأثير” على جهود السلام في سوريا واليمن، مؤكدا أنّ الرياض “لن تقاطع″ محادثات السلام المقبلة حول سوريا” المقررة مبدئيا اعتبارا من 25 كانون الثاني/يناير في جنيف برعاية الأمم المتحدة. لكن السفير المعلمي شكك مع ذلك برغبة إيران في دفع عملية السلام في سوريا معتبرا أن طهران “لم تدعم كثيرا هذه الجهود”.
الخلاف الذي تتوقف عنده كل جهود السلام كان دائما بشار الأسد، والى ذلك أشار الصحفي لؤي المدهون مؤكدا أنّ” الموقف السعودي يرتبط بالدرجة الأولى بمصير بشار الأسد في آلية المباحثات. فإذا تم التوصل إلى اتفاق يقضي بتنحي الأسد والاتفاق على حكومة انتقالية تضم كافة القوى السياسية في سوريا، ستلعب الحكومة السعودية دورا بناءا في المفاوضات، أما إذا أصرت إيران وروسيا على بقاء الأسد فأتوقع فشل المفاوضات واستمرار الحرب السورية لعدة سنوات “.
وهكذا فإن مسيرة السلام يمكن أن تتعثر حتى إذا تجاوزت المملكة العربية السعودية خلافاتها مع إيران بشأن إعدام الشيخ نمر النمر وتداعيات ذلك.
الموقف الإيراني كان دائما يعتبر بقاء بشار الأسد في السلطة خطا احمر، كما أنه يعتبر أنّ كل المعارضة السورية تقريبا، وخصوصا المقيمة منها في الخارج لا يمكن أن تتجاوب مع مصالحه في سوريا والمنطقة. أما روسيا، فتدافع عن آخر قواعدها في الشرق الأوسط، وهي قاعدة طرطوس في سوريا، وبالتالي فإن تحالفها مع بشار الأسد تحالف مصيري يرتبط بالمصالح الدولية.
من هنا، فإن موقف الحكومة الإيرانية لا يرتبط بسوريا ومصير الأسد فقط، بل يرتبط بوضعها الجديد بعد الاتفاق الدولي بشان ملفها النووي، والى ذلك ذهب الصحفي لؤي المدهون مؤكدا ” أنّ الموقف الرسمي الإيراني من التسوية في سوريا يرتبط إلى حد كبير بالقوى الفاعلة في إيران. هل سيحدد التيار البراغماتي الذي يمثله الرئيس روحاني الموقف الإيراني لوحده أم سيستحوذ التيار الثوري الأيديولوجي على صياغة القرار ويصر على بقاء الأسد؟. أعتقد أن الحكومة الإيرانية ستبذل كل ما في وسعها لتجاوز حالة العزلة الإقليمية التي تحاول السعودية الآن فرضها من جديد وستحاول أيضا العودة إلى المجتمع الدولي من بوابة الصفقة النووية. هذه هي الأولوية الكبرى حاليا لطهران” .
الأمم المتحدة و الجهد الدولي
الموفد الدولي إلى سوريا، يخطط لتفعيل الدور الدولي في حل الأزمة السورية في ظل التوتر المتصاعد بين اللاعبين الإقليميين ( إيران والسعودية)، وفي هذا السياق وصل ستيفان دي ميستورا الثلاثاء ( 05 كانون الثاني/ يناير 2016) إلى الرياض وسيزور لاحقا طهران خلال الأسبوع وذلك قبل ثلاثة أسابيع تقريبا من مفاوضات يفترض أن تنطلق نتيجة جهود دولية اعتبارا من 25 كانون الثاني/يناير في جنيف بين ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة سعيا لإيجاد تسوية للأزمة السورية.
الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من جانبه اتصل هاتفيا بوزيري خارجية السعودية وإيران لحثهما على “تجنب أي عمل قد يؤجج التوتر بين البلدين وفي المنطقة” .
لكن تسارع المواقف الدولية يبقى عُرضة لسؤال : ماذا بوسع ميستورا والأمم المتحدة والقوى الكبرى (أمريكا –أوروبا و روسيا) أن تقوم به ؟ وكيف لها أن تضغط على الطرفين في ظل تناقضات مواقفها ؟
الأسد في سوريا: باقٍ أم راحل؟
التقى الرئيسان الأميركي والروسي باراك أوباما وفلاديمير بوتين في الأمم المتحدة للبحث في حلول للأزمة السورية ، لكنهما لم يحققا أي تقدم بخصوص دور الرئيس بشار الأسد. وترى الولايات المتحدة أن الأسد جزء من المشكلة، فيما تصفه روسيا بأنه جزء من الحل.
وحتى هذه اللحظة، لم تتضح أدوات التحالف الغربي وحلفائه في التأثير على المواقف السعودية الإيرانية من مسيرة التسوية في سوريا، وما ظهر منها تحديدا هو أصوات في أحزاب الائتلاف الحاكم والمعارضة في ألمانيا تعالت مطالبة بوقف توريد الأسلحة للرياض.
وفي هذا الصدد، قال خبير شؤون التسليح في الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، هانز- بيتر أول، في تصريحات لصحيفة “أوغسبورغر ألغماينه” نقلتها وكالة الأنباء الألمانية “من البديهي إعادة التفكير الآن في مستقبل العلاقات مع السعودية، التي كانت تعتبر لفترة طويلة عامل استقرار في منطقة غير مستقرة”.
رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الخضر الألماني المعارض أنطون هوفرايتر طالب هو الآخر الحكومة الألمانية بمراجعة العلاقات مع السعودية وقال في تصريحات لصحيفة “نويه أوسنابروكر تسايتونغ” الألمانية نقلتها وكالة أنباء (د ب ا) أنه لا يتعين على الحكومة الألمانية الاستمرار في دعم “مثل هذا النظام الاستبدادي” في الرياض.
بون ـ دوتشية فيلية ـ رأي اليوم