الرياض – «القدس العربي»:
فور التوقيع على اتفاق المبادئ بين إيران ومفاوضي مجموعة 5+1 بشأن النشاط النووي الإيراني بادر الرئيس الأمريكي باراك اوباما بالاتصال هاتفيا بالعاهل السعودي الملك سلمان ليطلعه على تفاصيل الاتفاق وليطمأنه على ان الولايات المتحدة لن تتخلى عن مصالحها وعلاقاتها الاستراتيجية مع السعودية وشقيقاتها الخليجيات التي يتملكها القلق من ان يكون الاتفاق بداية لعلاقات مصالح إيرانية ـ أمريكية تنسى فيها واشنطن مصالحها مع دول المنطقة الخليجية.
الملك سلمان أبلغ الرئيس اوباما عدم معارضة مملكته لاتفاق المبادئ وأعرب عن أمله في ان يتم التوصل إلى اتفاق نهائي ملزم بخصوص الملف النووي الإيراني يؤدي إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ومجلس الوزراء السعودي في بيانه يوم 6 نيسان/ابريل أوضح ان تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة يتطلب الالتزام بمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية واحترام سيادتها.
ولوحظ ان البيان أكد على ضرورة مراعاة حق دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة وفق معايير الوكالة الدولية للطاقة وتحت اشرافها.
ورغم التطمينات الأمريكية للرياض وعواصم الخليج الأخرى، ورغم الموقف السعودي الدبلوماسي المعلن إلا ان كثيرين رأوا ان المملكة وشقيقاتها الخليجيات ليست مسرورة لهذا الاتفاق، رغم انه اتفاق مبادئ، وانها كانت تود لو انه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق غربي مع إيران.
صحيح ان طهران بموجب الاتفاق النهائي اذا ماتم توقيعه في شهر حزيران/يونيو المقبل لا يسمح لطهران بامتلاك أسلحة نووية في المستقبل القريب، على الأقل، ألا ان الاتفاق يحقق لإيران العديد من المكاسب السياسية والاقتصادية.
فهو سيرفع العزلة السياسية عن إيران في الوقت الذي تسعى فيه الرياض إلى حصار طهران سياسيا في مناطق انتشر فيها نوع من النفوذ السياسي الإيراني مثل أفريقيا ودول وسط شمال آسيا.
واقتصاديا الاتفاق سيرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران لتعود وتصدر ماتستطيع من النفط والغاز، وستعود إليها عشرات المليارات من الدولارات المجمدة في البنوك الأمريكية والاوروبية.
وهذه الأموال ستضخ جزءا كبيرا منها لتمويل خطط طموحاتها في فرض سيطرتها ونفوذها في العالم العربي، والأهم في انقاذ النظام السوري التابع لها من السقوط.
هكذا قد ينظر السعوديون للاتفاق الإيراني ـ الغربي، ومبعث قلقهم أيضا هو ان تكون واشنطن قد عقدت صفقة مع طهران أبعد من الاتفاق، ومبعث قلقهم ان يطلق الاتفاق لطهران العنان للتدخل في شؤون المنطقة .
وهذه المخاوف الخليجية هي التي عمل الرئيس الأمريكي على تبديدها وطمأنة دول الخليج بشأنها، وللتأكيد على ذلك ساندت واشنطن عملية «عاصفة الحزم»عسكريا وسياسيا، عسكريا من خلال الاسراع بتقديم الامدادات التسليحية للسعودية ودول التحالف العربي في اليمن ومنها قنابل متطورة لاختراق الأعماق وطائرات تزويد الوقود للطائرات في الجو، ووفرت المعلومات الاستخباراتية اللازمة للعمليات العسكرية لاسيما الجوية منها مثل صور الأقمار الصناعية المباشرة للأهداف والتحركات الحوثية، ويتواجد في غرفة العمليات المركزية التي تقود عمليات «عاصفة الحزم» في الرياض 12 خبيرا عسكريا أمريكيا ـ كما ذكر في واشنطن -.
وقام نائب وزير الخارجية الأمريكية انطوني بلينكن بزيارة للرياض للتأكيد على دعم ومساندة الولايات المتحدة لتحالف «عاصفة الحزم» وأعلن في العاصمة السعودية «ان السعودية تبعث برسالة قوية إلى الحوثيين وحلفائهم بأنه لا يمكنهم السيطرة على اليمن بالقوة». وأضاف «في إطار تلك الجهود عجلنا بتسليم الأسلحة (للتحالف).. وزدنا من تبادل معلومات المخابرات وشكلنا خلية تخطيط مشتركة للتنسيق في مركز العمليات السعودي».
ولكي يؤكد الرئيس اوباما على ان علاقات إدارته مع دول الخليج العربية لن تتأثر بسبب الاتفاق النووي مع إيران فانه دعا قادة دول مجلس التعاون الخليجي للقائه في منتجع كامب ديفيد قبل شهر حزيران/يونيو المقبل.
الرياض تعاملت مع التطمينات الأمريكية بشكل ايجابي ولم تثر أي مشاعر سلبية تجاه واشنطن أو الإدارة الأمريكية، بل حرصت على اشراك الولايات المتحدة بعملية «عاصفة الحزم « سياسيا وعسكريا، ولكنها في الوقت نفسه رأت الرياض ان الوضع في المنطقة لا يجب ان تعتمد فيه المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي على الولايات المتحدة لحمايتها، بل يجب خلق حلف عسكري وسياسي خليجي وعربي قوي قادر على ان يشكل قوة اقليمية تفرض توازن القوى الاقليمي الذي سيتصدى لإيران وغير إيران.
وهذا مر أدركه الملك سلمان قبل اعتلائه عرش المملكة في شهر كانون الثاني/يناير الماضي وبدأ العمل عليه منذ ان تولى وزارة الدفاع وولاية العهد، فابعد الأمير خالد بن سلطان ابن اخيه عن منصبه كنائب لوزير الدفاع بسبب فشله العسكري، ولانه أدرك انه لن يكون قادرا على تنفيذ برامج تطوير الجيش السعودي ليصبح قوة عسكرية ضاربة في المنطقة يقود الحلف العسكري الذي يأمل الملك سلمان اقامته، وعين العاهل السعودي ابنه وأقرب الناس إليه الأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع ليؤكد اشرافه الشخصي على الجيش وبرامج تطويره تسليحا وتدريبا ، وجاءت عملية «عاصفة الحزم» لتكون هي البداية للحلف الخليجي ـ العربي الذي يسعى إليه الملك السعودي.
لذا فان الرياض ، وان كانت غير مرتاحة للاتفاق النووي الإيراني، إلا انها لم تعد متخوفة منه، فاذا حصلت طهران على السلاح النووي فان المملكة قادرة على الحصول عليه ـ عن طريق الباكستان ـ واذا كان الاتفاق سيفك العزلة السياسية والعقوبات الاقتصادية عن طهران، فان تشكيل التحالف الخليجي العربي المساند اقليميا (من الباكستان وتركيا ) سيكون هو الرد على تنامي التهديدات الإيرانية للمنطقة، والرياض، ترى ان هذا التحالف الذي سيشكل القوة القادرة على خلق توازن قوى اقليمي مع إيران. وتوازن القوى هو الذي يردع ويمنع أي حروب أو مغامرات من الممكن ان تهدد الدول العربية، ولكن يبدو ان الأمر احتاج إلى حرب تخوضها السعودية على رأس التحالف العربي للتأكيد على انها اصبحت تقود حلف توازن القوى في المنطقة.
إيران صورت اتفاقها النووي انه انتصار للإرادة السياسية الإيرانية التي قاومت الحصار السياسي والاقتصادي والغربي، وان هذا الاتفاق هو اعتراف أمريكي وغربي بانها القوة الاقليمية الأوحد والأقوى في المنطقة، وانه من اجل ذلك تعارض السعودية الاتفاق. حتى ان طهران أخذت تروج إلى ان الهدف الرئيسي من «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية في اليمن هو محاولة اجهاض الاتفاق الإيراني مع الغرب، ولا أحد يدري ماهي العلاقة بين حرب يخوضها تحالف عربي بقيادة السعودية في اليمن وبين اتفاق غربي مع إيران؟
ولكن عندما رأت القيادة الإيرانية سياسة الحزم للملك السعودي الجديد وأدركت ان «عاصفة الحزم» أهدافها أبعد من اليمن، وان معركة «عاصفة الحزم « قد تكون بداية لمعارك أخرى يقودها التحالف ضد طهران، قد تكون في سوريا وغيرها،
عندما أدركت طهران ذلك تملكتها عصبية ـ شديدة وغير معهودة ـ ضد السعودية جعلتها تخرج عن طورها السياسي وتلوح بانها قد لا توقع الاتفاق النهائي مع الغرب حول نشاطها النووي.
صحيح ان الاتفاق يثير قلق دول الخليج وأهله ولكن السعودية ماضية في مشروعها.
سليمان نمر