اكتشف فريق دولي من العلماء ممن يدرسون البراكين في جزر غالاباغوس بالمحيط الهادي قبالة ساحل الإكوادور، أن البراكين التي تنتج حمما بازلتية صغيرة عند ثورانها تخفي في حقيقة الأمر صهارة متنوعة كيميائيا في جوفها بباطن الأرض. كما أن لبعض هذه البراكين القدرة على إحداث نشاط انفجاري.
براكين آمنة وأخرى ثائرة
تثور معظم البراكين بشكل مماثل منذ ملايين السنين. فعلى سبيل المثال، فإن براكين آيسلندا وهاواي وجزر غالاباغوس تثور باستمرار، منتجة تدفقات من الحمم البركانية. تتكون هذه الحمم البركانية من الصخور البازلتية المنصهرة، التي ما تلبث أن تكوّن أنهارا طويلة من النار ممتدة على أطراف تلك البراكين.
فعلى الرغم من أن تدفقات الحمم البركانية هذه قد تكون مدمرة للمنازل القريبة منها، فإنها تتحرك ببطء شديد. فهي لا تمثل خطرا على الحياة بقدر ما تحمله الانفجارات البركانية الكبيرة مثل تلك الموجودة في بركان فيزوف في إيطاليا أو جبل سانت هيلين البركاني في الولايات المتحدة. إذ دمر بركان جبل فيزوف مدينتي بومبي وهركولانيوم المجاورتين عندما اندلع في عام 1979، مما أدى إلى وفاة الآلاف.
وأجرى الدراسة الجديدة التي نشرتها دورية نيتشر كومينكيشنز (Nature Communications) يوم 28 يوليو/تموز الماضي فريق دولي يضم علماء من الولايات المتحدة وبريطانيا وأيرلندا والإكوادور.
ودرست اثنين من براكين جزر غالاباغوس، والتي تمتاز بثورانها متجانس الشكل الذي يدفع بتدفقات الحمم البازلتية إلى سطح الأرض. إذ حلل العلماء مكونات البلورات المجهرية الموجودة في الحمم المتدفقة، وهو ما مكّنهم في النهاية من إعادة بناء الخصائص الكيميائية والفيزيائية للصهارة المخزنة في باطن الأرض والموجودة أسفل تلك البراكين.
السر في الصهارة
أظهرت الدراسة أن مكونات الصهارة الموجودة أسفل هذه البراكين تختلف بشكل ثابت عن الحمم البازلتية المتدفقة عند سطح هذه البراكين. إذ كانت الصهارة الموجودة في أعماق هذه البراكين غاية في التنوع وذات تركيب مشابه لتلك الحمم المتدفقة عند بركان سانت هيلين بالولايات المتحدة.
بشأن طبيعة هذه الصهارة، يعلق الدكتور مايكل ستوك قائد الدراسة في كلية ترينيتي للعلوم الطبيعية (Trinity College Dublin) في التقرير الذي نشره موقع يوريك ألرت (Eurek Alert)، قائلا “لقد بدأنا الدراسة متسائلين عن سبب رتابة هذه البراكين وما العمليات التي تسببت في جعل مكونات الحمم البركانية المتدفقة بهذا الثبات طوال هذه الفترة الزمنية. إلا أن هذه البراكين لم تكن مملة على الإطلاق، إذ كانت تخفي الصهارة الخاصة بها تحت الأرض”.
ويعتقد الفريق أن هذه البراكين تنفث باستمرار تلك الحمم البازلتية متجانسة الشكل عندما تكون كمية الصهارة الموجودة في باطن الأرض كبيرة بدرجة تَغْلُب على أي تنوع كيميائي، وهو ما يرى العلماء إمكانية حدوثه بالقرب من أعمدة الصهارة الساخنة التي تتدفق من أعماق الأرض نحو السطح، ويعَرِّفونها باسم “البقع الساخنة”.
تفسير النشاط الانفجاري
ورغم ذلك، فإن الصهارة المتنوعة كيميائيا التي اكتشفها الفريق يمكنها أن تتحرك وتصعد إلى السطح في ظل ظروف معينة. في هذه الحالة، سوف تتعرض هذه البراكين -التي اعتادت على نفث الحمم البازلتية لآلاف السنين- إلى تغييرات غير متوقعة، مما قد يجعلها ذات نشاط انفجاري في المستقبل.
يقول ستوك “على الرغم من غياب أي مؤشرات تدل على أن براكين غالاباغوس ستمر بمرحلة انتقالية من التغير في نمط الثوران البركاني قريبا، فإن نتائجنا توضح سبب تغير السلوك البركاني لبعض البراكين الأخرى في الماضي”.ويضيف “ستساعدنا هذه الدراسة على فهم المخاطر التي تسببها البراكين بشكل أفضل. إذ إن ثبات النشاط البركاني بشكل معين في الماضي لا يعني أنه سيظل دائما بهذا الشكل في المستقبل”.ويعلق الدكتور بنجامين برنارد، عالم البراكين المشارك في الدراسة من معهد الفيزياء الجيولوجية في الإكوادور (Instituto Geofisico) على الأمر بقوله “سيغير هذا الاكتشاف قواعد اللعبة. إذ إنه سيمكننا من فهم الملاحظات التي كانت تبدو متباينة من قبل، مثل وجود الرواسب الانفجارية في العديد من براكين غالاباغوس. كما سيسمح لنا بفهم سلوك البراكين بشكل أفضل، وهو ما يعد ضروريا لمراقبة النشاط البركاني وتقييم مخاطرة”.
نقلا عن الجزيرة