“جعتُ وجاع أولادي ولم أجد ما أسد به رمقي وأقيت به أبنائي الصغار، فاسودت الدنيا في عيني ولم أجد مخرجاً سوى السرقة وهذا ما حصل فعلاً. وأنا غير نادم على ما فعلت لأن السرقة أفضل من أن أموت جوعاً مع أطفالي الأربعة وإذا خرجت اليوم من السجن وتكرر معي الموقف سأكرر نفس الفعل فلا يوجد عمل ولا يوجد مال ولا يوجد رحمة”.
هذه كانت الإفادة التي أدلى بها المتهم “فايز” الموقوف بجرم إحدى السرقات التي تحصل اليوم وبكثرة في منطقة الغوطة الشرقية، بحسب مراسل “السورية نت” في المنطقة هادي القاسم.
ويضيف القاسم بأن السرقات أصبحت ظاهرة منتشرة في الغوطة الشرقية، فلا يكاد يمر يوم دون تعرض أحد ما للسرقة أو دون القبض على سارق.
ومن ذلك ما رواه القاسم عن “محسن” وهو أحد أساتذة الرياضيات في القطاع الأوسط من الغوطة حيث تعرض بتاريخ 30/11/2014 للسرقة وهو عائد إلى منزله مساء حيث قام الجاني بضربه ضرباً مبرحاً ثم سرق منه الكمبيوتر المحمول والموبايل وهو الآن يرقد في المشفى ريثما يتعافى من الجروح التي تعرض لها.
الجوع كافر
وعن سبب انتشار ظاهرة السرقة في الغوطة الشرقية أوضح “أيمن” رئيس المجلس المدني في إحدى بلدات الغوطة أن “الحاجة الشديدة هي وراء هذه الظاهرة فالغلاء الفاحش للأسعار وانتشار البطالة بنسبة 99 بالمئة هي السبب الرئيس لاتجاه الناس للسرقة”.
ويقول مراسلنا: “إن الذين يقومون بفعل السرقة لم يعودوا يميزون بين الأشياء، فكل شيء عندهم قابل للسرقة”، ولعل الطامة الكبرى كانت في سرقة المدارس فعلى ما يبدو من التحقيقات الأولية فإن مجموعة من الشباب شكلوا عصابة لسرقة المدارس وهذا ما أثار استياءً شعبياً عاماً.
وقد أوضح “أبو صلاح” أحد الوجهاء في الغوطة لمراسلنا أن سبب استياء الناس من سرقة المدارس “أن المدرسة لجميع الناس لابنك وابني وبنتك وبنتي ولا تجوز سرقتها لأن السارق سرق جميع الناس وسرق نفسه أولاً”.
وعند سؤال مديرة إحدى المدارس المسروقة عن نوعية الأشياء التي يمكن أن تسرق من المدرسة أجابت مراسل “السورية نت” أنه سرق من مدرستها “مبلغ 20 ألف ليرة سورية كانت قد جمعتها كتبرعات من بعض الأهالي الموسرين لمساعدة المدرسة على القيام بمهامها كما سرقت القرطاسية الموجودة في المدرسة والكراسي البلاستيكية خفيفة الوزن” وأضافت أنها تتخوف من “سرقة المقاعد الخشبية واستعمالها في التدفئة”.
انعدام الأمان
وبعد تفشي ظاهرة السرقة وانتشارها بهذا الشكل أصبح الناس يخافون من المشي مساء خاصة مع الانقطاع المستمر للكهرباء وعدم وجود عنصر الشرطة، حيث يمكن للمرء أن يتوقع أن يسرق منه أي شيء ليس له قيمة كبيرة كساعة مثلاً أو حذاء جيد أو مبلغ صغير من النقود
وقد أخبر “أبو صالح” أحد ملاكي المزارع مراسل “السورية نت” أن السطو المسلح على الحقول “دارج هذه الأيام وسرقة الحقول هي أكثر أنواع السرقة انتشاراً” وقال إنه في الموسم الفائت حضر يوماً إلى حقله فوجد “مجموعة ملثمة من الرجال يقصون سنابل القمح ويأخذونها في وضح النهار وعندما سألهم ماذا يفعلون هددوه بالسلاح وأمروه بالانصراف فاشترى روحه وانصرف” على حد تعبيره.
أما “أبو حيدر” صاحب حقل لأشجار الجوز في مزارع بالا فقد تعرض لنفس الموقف حيث سرقت ثمار الجوز خاصته أمام عينيه.
تسرق أمها
وسمع مراسلنا بمحض الصدفة قصة غريبة تعتبر من أسرار البيوت ولكن الحاجة والجوع جعلاها تطفو إلى السطح، والقصة عن “أم بيان” وابنتها وزوج ابنتها حيث أن أم بيان امرأة عجوز تعيش مع زوجها الأبكم المسن وهما من طبقة المساكين وقد أعطت مفتاح بيتها لابنتها تحسباً لأي طارئ يحصل لهما. وبينما كانت “أم بيان” تتفقد بعض الأغذية الموجودة عندها في البيت والتي تحصل عليها بشق النفس وجدت أنها ناقصة، لكنها لم تعرف الفاعل.
ولكن الأمر تكرر مرة ومرة، ومع تكرار هذه الحادثة شكت “أم بيان” بابنتها لأنها الوحيدة التي تدخل إلى بيتها وتعرف بوجود المواد الغذائية، وكان شكها في محله فقد اعترفت البنت أن زوجها يدفعها لسرقة الطعام من بيت أهلها لأنه غير قادر على توفيره.
أين القضاء
لعل هذا الموضوع يشكل تحدياً كبيراً أمام القضاء حديث العهد في الغوطة، والذي ما زالت إمكاناته أضعف من أن تحد من هذه الظاهرة أو تقضي عليها خاصة مع كثرة المشاكل الاجتماعية والتحديات الضخمة والتي كان أبرزها مشكلة تعاطي المخدرات.
وفي مقابلة أجراها مراسلنا مع الأستاذ “ضياء المحمد” أحد القضاة أخبره أن المتهمين نوعان:
1 ـ نوع هو نفسه ضحية، حيث قام بجرم السرقة مجبراً بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها وهذا المتهم يحاسب ويحاكم وفق القانون الشرعي ولكن تؤخذ ظروفه بعين الاعتبار وتستغل فترة السجن لوعظه وإرشاده وردعه عما أقبل عليه وعندما يلمس منه القناعة والندم يعفى عنه ويمد بمبلغ من المال ليبدأ عملاً شريفاً.
2 ـ أما النوع الثاني فهو المتهم المجرم الذي سرق لأهداف دنيئة كالإدمان أو ما شابه فهذا المتهم يعاقب العقاب اللازم وفق الأصول الشرعية، ردعاً له ولغيره.
يذكر أن الغوطة تعاني من حصار خانق أدى لارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية، بالإضافة لندرتها، وأدى القصف المستمر الذي يشنه النظام على الغوطة إلى فقدان الأهالي لموارد رزقهم وتوقف أعمالهم، مما أدى لانتشار الفقر والجوع والبطالة والمرض.