لم يسلم سوري من تذوق هذا العسل المسموم و تناولِ الحديث حول أهل منطقة ما بالانتقاص و السخرية، و ذلك في سياق عقود من سياسة التفرقة الممنهجة في مجتمعنا. تعتبر الوسمة المناطقية سلاح لا يقل أذى عن الطائفية، بل يزيد، فهو موضوع سهل التناول يترك صدى و يتوالى بسرعة عبر الاحاديث اليومية في مختلف المجالس و الاعمار و ذلك عبر نكات تبدو في ظاهر تداولها للمزاح و التسلية فقط.
ومن أبرز مواضيع هذا » المزاح« أذكر وصف أهل حمص بنقص البديهة و هم الذين تفوَّق منهم المفكرون و الادباء في أنحاء العالم، كما الإنتقاص من أخلاقيات اهل إدلب وهم الذين عُرف منهم أكثر الناس شهامة و عزة، و كذلك تحوير لقب شوايا للانتقاص من قيمة أبناء منطقة الجزيرة و هم أهل الأرض التي كانت تمد سوريا كلها من خيراتها، و وصف حماة بالرجعية و هي المدينة الشجاعة بلا منازع، وكذلك استهلاك لقب الحورانة في أبعد ما يكون عن صفات أهل هذه المنطقة من ذوق و رقي و لا ننسى أن نضيف لهذا »المزاح« أيضاً اتهام أهل حلب بالجشع للمال و هم من أكثر الناس حرفية و مهنية كما اتهام أهل دمشق بالأنانية و الفوقية و هم الذين عُرف منهم أكرم أبناء سوريا و أكثرهم تواضعاً…
نحن لسنا متشابهون، هذه هي الحقيقة الجميلة، و لكن شتَّان ما بين التمايز و الوسمة المناطقية الانتقاصية. فنحن متمايزون متكاملون بتشكيل هوية سورية كلٌّ بحسب أعرافه و تقاليد منطقته.
فاذا خلطنا مزيج الاستنقاص هذا بمزيج الطائفية المقيت، سنعرف تركيبة السم الزعاف الذي حُقن فينا طويلاً و نرى آثاره على جسد بلدنا المتهالك.
اليوم و قد عرفنا الداء لن نعجز عن الدواء فهي نهضة واحدة تلك التي ستنفض عنا كل هذه الأمراض التي تحدُّ من رفعتنا و تهوي بنا سريعاً نحو اندثار كارثي للهوية السورية بكل مناطقها سوية…
د. سميرة مبيض
باحثة في علم البيئة