مع استمرار الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين، تتفاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية في اليمن؛ فالأوبئة تنتشر بقوة في ظل انهيار شبه كلي للنظام الصحي الذي فقد القدرة على تقديم الخدمات الطبية الأساسية، وأصبح يتعامل مع الطارئ فقط.
ولم يكن إعلان وزارة الصحة في صنعاء، الأسبوع الماضي، عن تسجيل حالات بوباء التهاب السحايا أمراً مفاجئاً؛ فقد أصبحت البلاد مرتعاً للأوبئة ابتداءً بحمى الضنك ثم الجدري فالكوليرا التي اجتاحت معظم مناطق البلاد، وأخيراً “السحايا” الذي يبدو أنه لن يكون الأخير إذا ما استمرت الحرب بما يتبعها من تدهور إنساني ومعيشي.
الطبيب اليمني محمد الصغير طاهر، يوضح أن التهاب السحايا عبارة عن التهاب الأغشية المحيطة بالدماغ والحبل الشوكي، ويصيب جميع الفئات العمرية، وتتعدد أسبابه بين أنواع من البكتيريا والفيروسات.
– طرق العدوى
وفي حديث لـ”الخليج أونلاين”، يضيف طاهر: “تختلف الحالة من شخص لآخر؛ فالفحص السريري للمصاب عادةً يكون بتصلب الرقبة عند ثنيها، والقيء والصداع والنعاس وصعوبة الاستيقاظ”.
وتتمثل طرق العدوى في الانتقال أثناء الولادة عبر الجراثيم الموجودة في مهبل الأم، أو عن طريق وجود التهاب الجيوب الأنفية، أو التشوهات الخلقية أو أثناء إجراء التدخلات الجراحية، أو عن طريق الاتصال المباشر مع اللعاب أو المخاط أو البراز، وكذلك عن طريق التقبيل بالفم، أو تغيير الحفاظات للطفل المصاب، بحسب الطبيب اليمني.
وتابع طاهر: “التشخيص يكون عبر الفحص السريري والفحوصات المخبرية، حيث يؤخذ بعض القطرات من المياه الموجودة حول الحبل الشوكي وفحصها مخبرياً. أما العلاج فيعتمد على نتائج الفحص المبين لسبب العدوى”، مؤكداً “إذا لم يعالج التهاب السحايا سريعاً فهناك خطر كبير وتهديد للحياة، خصوصاً إذا كان المسبب لها بكتيريا بعكس الفيروسات. ويجب أن يعلن عن هذا الوباء حتى يتم التعامل مع الحالة والمحيطين بالمصاب لحمايتهم”.
وقد يتسبّب التهاب السحايا الجرثومي في تضرّر الدماغ، أو فقدان السمع، أو إعاقة القدرة على التعلّم لدى 10 إلى 20 بالمئة من الناجين منه.
– إحصاءات رسمية
مدير برنامج مكافحة وباء السحايا، الدكتور بشير أبو أصبع، كشف لـ”الخليج أونلاين” عن تسجيل 4 وفيات مؤكدة بالتهاب السحايا في العاصمة صنعاء، فضلاً عن 18 حالة وفاة غير مؤكدة بأعراض الوباء نفسه؛ نظراً لعدم إجراء الفحوص المخبرية على الضحايا.
وأضاف أبو أصبع: “هناك 48 حالة مشتبه بإصابتها بوباء السحايا تحت الرقابة والمتابعة الصحية. الوضع حتى الآن تحت السيطرة، حيث تم رفع الجاهزية من خلال توسيع عملية الترصد للوباء، رغم عدم كفاية الإمكانيات المطلوبة لمواجهة الوباء”.
وأشار إلى وجود 9 مراكز في عموم محافظات الجمهورية، تقوم بتقديم الأدوية وتدريب العنصر الطبي لمواجهة الوباء، وكل ما يرتبط بمنع انتشاره.
– الإمكانيات المتاحة
وقال أبو أصبع إن الإمكانيات المتاحة من قبل الجهات الحكومية شبه منعدمة، مشيداً بالتجاوب السريع لمنظمة الصحة العالمية التي قدمت كميات من الأدوية، واعتمدت دعماً مالياً لتغطية نفقات ترصد الوباء ومتابعته.
ويتوقع أبو أصبع انضمام عدد من المنظمات المختصة خلال الأيام المقبلة لدعم الجهود الرامية لمنع انتشار الوباء.
ولفت مدير برنامج مكافحة وباء السحايا إلى وقوع اليمن بالقرب من حزام الوباء الذي تتسم به أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والممتد من السنغال في الغرب إلى إثيوبيا في الشرق، الذي يشهد أعلى معدلات انتشار المرض، ممَّا ساهم في انتقال الوباء.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فقد سجل الموسم الوبائي لعام 2014 في 19 بلداً أفريقياً 11908 حالات مشتبه فيها، منها 1146 حالة وفاة.
– أسباب الانتشار
وشدد أبو أصبع على أن الظروف التي يعيشها اليمنيون في ظل الحرب، والفقر الشديد الذي تزايد بانقطاع الرواتب عن موظفي القطاع الحكومي، والحالة النفسية السيئة، وعدم الاهتمام بالنظافة وبالتوزان الغذائي، أسباب رئيسة لظهور الوباء مجدداً، بعد أن كان لا تتجاوز عدد حالات الإصابة به من حالة إلى حالتين سنوياً.
وأشار إلى أن آخر جائحة لالتهاب السحايا كانت في العام 1988، والذي شهد وفاة الآلاف بهذا الوباء الخطير، محذراً من سهولة العدوى خصوصاً في موسم الحج، معتبراً أن أي انتشار للوباء، حال حدوثه، سيكون له عدد كبير من الضحايا، بعكس وباء الكوليرا الذي سجل انتشاراً واسعاً إلا أن عدد الوفيات بسببه قليل.
– أوبئة سابقة
ووفقاً لآخر أرقام منظمة الصحة العالمية فإن حالات الوفاة من جراء الإصابة بوباء الكوليرا في اليمن تجاوزت الـ1800 حالة منذ 27 أبريل2017، في حين تم الإبلاغ عن 356 ألفاً و591 حالة اشتباه بالكوليرا التي اجتاحت جميع محافظات اليمن، باستثناء أرخبيل سقطرى التي تعد المنطقة الوحيدة التي لم يتم تسجيل أي إصابات فيها.
ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها المنظمات الدولية، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في السيطرة على الوباء الذي يسبّب إسهالاً حاداً يمكن أن يودي بحياة المريض خلال ساعات، إذا لم يتلقَّ العلاج.
وخلال عامي 2015 و2016 أصيب نحو 40 ألف يمني بوباء حمى الضنك، التي تركزت في محافظات شبوة وحجة وتعز وعدن والحديدة، وفقاً لأرقام وزارة الصحة اليمنية.
وفي فبراير 2016 سجلت 11 حالة وفاة بوباء أنفلونزا الخنازير، فضلاً عن مئات المصابين، في حين لا يزال وباء الجدري يظهر بين حين وآخر في محافظات يمنية مثل عمران وإب، وفقاً لتقارير إعلامية، في وقت نفت فيه وزارة الصحة بصنعاء انتشار هذا الوباء.
ويعيش اليمن على وقع حرب بين القوات الحكومية، مدعومة بالتحالف العربي، من جهة، ومليشيا الحوثي- صالح التي سيطرت على العاصمة وعدد من المدن اليمنية بقوة السلاح منذ العام 2014، من جهة أخرى. حيث خلّفت المعارك أكثر من 10 آلاف قتيل، ووضعت 80% من السكان في ظروف غذائية وصحية طارئة، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
الخليج أون لاين