مدينة الزبداني في ريف محافظة دمشق، من أشهر المصايف السورية والعربية، تقع على مسافة 45 كم شمال غرب العاصمة دمشق، وتمتد المدينة على سفوح جبال لبنان، تحيط بالمدينة مجموعة من البلدات والقرى، وهي : بلودان وبقين ومضايا وسرغايا، وينبع من جنوبها نهر بردى، كما تكثر الينابيع في الزبداني، فمنها نبع العرق والكبري والجرجانية.
يبلغ عدد سكان المدينة أكثر من خمسين الف نسمة، بينما يَرتفع عدد قاطنيها في الشتاء إلى حوالي 60,000 نسمة، وفي الصيف يصل العدد إلى 100,000 نسمة، كونها من اشهر المناطق السياحية في سوريا.
كانت المدينة من أوائل المناطق التي إنخرطت في الثور السورية مطلع العام 2011، بحراكها السلمي والمسلح، وقدمت عدداً كبيراً من الشهداء، بالإضافة إلى تدمير قسم كبير من تراثها السياحي، جراء استهدافها بالقصف الجوي والمدفعي من قبل الحواجز القريبة منها، بحكم التواجد الكبير لقوات النظام في المناطق المجاورة لها.
وفي مطلع تموز/يوليو من العام الجاري، شهدت المدينة تطورات جديدة، جعلت منها محور الحديث الإعلامي، بعد إعلان كتائب من الجيش الحر، بالإضافة إلى فصائل إسلامية أخرى، أبرزها حركة أحرار الشام الإسلامية وجبهة النصرة، عن معركة “البركان الثائر” ضد قوات النظام وحزب الله بشكل رئيسي، بعد إعلانه عن قيادة المعركة التي تهدف إلى تحرير المدينة التي يسيطر عليها الثوار.
بدأت قوات الأسد المعركة متبعةً سياسة الأرض المحروقة كما جرت العادة، عبر استهداف المدينة بعشرات البراميل المتفجرة والغارات الجوية التي شنها الطيران الحربي، بالإضافة إلى القذائف المدفعية والصاروخية.
تمكن قسم من أهالي المدينة من الخروج منها قبل بدء الحصار الخانق الذي، نتج عنه تواجد لمئات العوائل تحت القصف بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المصابين الذين يحتاجون لرعاية صحية.
معارك كر وفر دارت بين الطرفين على مدى أسابيع ساعدت العملية الاستباقية التي شنها الثوار في ٤ تموز/ يوليو مع بداية المعركة بالسيطرة على أربع نقاط عسكرية للنظام على أطراف المدينة – التي يسيطرون عليها -، وهي: (حاجزَيِ الشلاح والقناطر إضافة إلى بناء الثلج وبناء سناك التنور)، ثم استعاد النظام سيطرته عليها، قبل أن يستعيدها الثوار وينطلقوا منها لمزيد من النقاط العسكرية، ضمن معارك كر وفر لم تحسم بشكل نهائي .
حزب الله تكبد خسائر فادحة خلال المعركة فاقت خسائره على مدى الأربعة أعوام من عمر الثورة السورية، نعت خلالها صفحات موالية للحزب مقتل أكثر من مئة عنصر خلال معارك الزبداني، بالإضافة إلى مصرع العشرات من عناصر النظام وتدمير عدد كبير من الآليات العسكرية، فشلت قوات الأسد من جديد في اقتحام معقل جديد تحصن فيه الثوار.
أما من الناحية العسكرية المنطقية، فإن الكفة راجحة لصالح النظام بسبب فقدان الثوار لخطوط إمداد، في منطقة محاصرة من قبل النظام شرقا وجنوبا، ومن قبل حزب الله مباشرة على الحدود اللبنانية غربا وشمالاً، بينما يتمتع النظام وحلفاؤه بإمداد سخي أرضاً وجواً.
أما السلاح الذي تمكن الثوار من خلاله ترجيح الكفة، والضغط على النظام، فهو سلاح مياه نهر بردى، إذ هد ثوار وادي بردى، القريبة من الزبداني والتي تطل على عين الفيجة، قطع المياه عن دمشق في حال استمرار الحملة العسكرية على المدينة، أجبر النظام إلى التساهل وتقديم شيء من الرضوخ.
مئات العوائل والثوار المحاصرون في الزبداني، قابلهم أعداد مشابهة تمكن الثوار من حصارهم في بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين بريف إدلب، استخدامهم ورقة ضغط ومفاوضة على الزبداني، أبرمت خلالها عدد من إتفاقيات التهدئة، كان آخرها التي تم من خلالها إيقاف القصف والمعارك في الزبداني، مقابل توقف الثوار عن استهداف البلدات الشعية شمالاً، يتم من خلالها إخراج النساء والأطفال والمصابين من المنطقتين، نجحت الثوار في إجبار الوفد الإيراني على إسقاط مطلب إفراغ الزبداني من مقاتلي المعارضة السورية المسلحة والمدنيين، الذي كان مطلبا أساسيا له لإكمال المفاوضات، وتعدى الأمر ذلك إلى مبادرته بطلب عقد هدنة مفتوحة تضمن إيقاف تقدم جيش الفتح على جبهات كفريا والفوعة في الأيام السابقة.
حيث صرح مسؤول الهيئة الطبية في الزبداني عامر برهان أن مطلب الوفد الإيراني للهدنة “لم يكن فقط بسبب الهجوم الأخير لجيش الفتح على كفريا والفوعة، إنما كان لصمود ثوار الزبداني أمام الهجمات المستمرة لحزب الله والنظام السوري الدور الأبرز في ذلك”.
وأشار إلى أن “هذا الصمود أتى من اعتياد الثوار الحياة بين الركام واستغلال دمار مدينتهم التي يعلمون مداخلها ومخارجها في إيقاع عناصر حزب الله في الكمائن التي باتت تستنزف أكبر عدد من العناصر البشرية لهم، والبراميل اليومية التي تلقيها مروحيات النظام لم تعد تحدث ذلك الفارق لصالحه، فهي لن تزيد دمارا فوق دمار مدينتهم المدمرة، خاصة أن الثوار قد تهيؤوا لمثل هذه الظروف الصعبة”.
هجمة تجاوزت الثلاثة أشهر جعلت من مدينة الزبداني مدينة شبه مدمرة، فيما لازال التهدئة قائمةً حتى الآن دون خروقات، على أمل تحقيق بنود الإتفاق الذي يهدف إلى إخراج عدد كبير من المعتقلين، إضافة إلى إخراج الجرحى وقسم من المدنيين من الزبداني مقابل إخراج عدد معين من أهالي كفريا والفوعة، وإيقاف التقدم من كلا الطرفين.
المركز الصحفي السوري – ماهر حاج أحمد