تعيش مدينة الرقة حالة من الترقُّب ممزوجة بالخوف من المجهول الذي ينتظرها، فيما قد لعب الإعلام وشائعات الحرب دوراً كبيراً في زيادة المخاوف.
وقد عزز هذه المخاوف الحديث عن اتفاق أمريكي تركي، لا تعارض بموجبه تركيا دخول قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد، إلى المدينة القريبة من الحدود التركية.
يقول الحقوقي أبو عبدالله من الرقة: “يتحدث الشارع عن موافقة تركيا دخول الكرد للرقة شرط ألا يتمددوا غرب الفرات، وأن تكون غالبية القوات الداخلة للرقة عربية”.
وما يعزز هذه الأحاديث والشائعات زيارة قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، الجنرال جوزيف فوتيل، السبت للشمال السوري، تحضيراً لمعركة الرقة. وقد قال المسؤول الأمريكي أن زيارته تهدف بناء تحالفات تجمع بين العرب والأكراد ضد تنظيم الدولة.
فالأمريكيين، على ما يبدو، يريدون أن تكون السمة الغالبة للقوات المهاجمة عربية الطابع إرضاء لتركيا أولاً، ولتتمكن من مسك الأرض ثانياً.
استعدادات صامتة
واتصفت ردة فعل التنظيم بالهدوء، ولم يقم بأعمال تزيد من قلق الأهالي، كما يروي ناشطون من الرقة.
فقد رفع التنظيم الجاهزية القتالية، ويعد هذا تصرفاً طبيعياً منذ بدء التحالف ضرباته الجوية، ولكن الجديد وفق ما يقول، المدرس بدر الجميلي، من الرقة، هو العمل على تغطية الأسواق والشوارع الرئيسة منذ شهر تقريباً. ويوضح: “ادعى التنظيم أن الهدف من هذه التغطية التعمية على طيران التحالف لحماية المدينة، بينما يهدف التنظيم لمنع التحالف الاستفادة من طائرات الاستطلاع واغتيال القادة”.
وقام التنظيم في السياق نفسه بعدة عمليات تفخيخ، وزراعة ألغام على الحدود الشمالية للمدينة، وقد سبق هذه الخطوات جميعاً سحب التنظيم لكثير من المقاتلين الأجانب والنخب من ريف حلب الشرقي إلى الرقة.
يتابع بدر لـ”عربي21“: “يُتوقع أنه (التنظيم) أتى بهذه النخب للرقة استعداداً لمعركة الدفاع عن الرقة، فيشاع امتلاك هؤلاء مهارات عالية في قتال الشوارع”.
ويلجأ التنظيم عادة لعمليات الانسحاب أثناء القصف ثم معاودة الانقضاض عند دخول القوات المهاجمة برا، حيث يُحيّد سلاح الطيران حينها.
هدوء المهاجَم وقلق المهاجِم
ويحاول جاهداً الإبقاء على الحياة الطبيعية، حيث لم تُلاحَظ أية تحركات عسكرية
غير اعتيادية داخل المدينة.
يقول الناشط الإعلامي محمد المصطفى، من الرقة: “التنظيم يحكم بالرعب، فأعداد قليلة قادرة على التحكم بمدينة كبيرة، كما أن حركة سيارات الحسبة قادرة لوحدها على ضبط الأمن”.
وسمح التنظيم لأهالي مدينة الرقة بالنزوح للأرياف دون الخروج من المحافظة. ويوضح محمد المصطفى أن هذه الطريقة أصبحت “اعتيادية للسوريين.. يخرجون أياماً خشية القصف ثم ما يلبثون للعودة”.
وتبدو استعدادات الطرف الآخر أكثر وضوحاً، من حيث التدريب والتسليح. ويشرف على العملية ضباط أمريكيون، فيما تأتي زيارة المسؤول الأمريكي في هذا السياق.
ويشير محمد المصطفى إلى أن الأمريكيين زادوا من “تواجدهم في سوريا بعد الدفعة الأخيرة قبل أسبوعين تقريباً، ويلاحظ وجود دبابات وأسلحة ثقيلة على جبهة عين عيسى القريبة من الرقة”، وفق قوله.
لكن تبقى المشكلة الأبرز أمام الأمريكيين هي تأمين العنصر العربي وموافقته مع التوجه الأمريكي والعمل مع الوحدات الكردية جنبا إلى جنب.
ويرى ناشطون أن قوات سوريا الديمقراطية بوضعها الحالي غير قادرة على تغطية الرقة، وتجربتها في تل أبيض “لا تبشر بالخير”، وفق بدر الجميلي، الذي يرى أن دخول الأكراد يعني “حاضنة جديدة لداعش، فقوات سوريا الديمقراطية تمثل داعش الصفراء”، بحسب وصفه.
الرقة تذبح مرتين بعيداً عن الإعلام
ويبقى الجانب الاجتماعي لمعركة الرقة غائباً عن الإعلام، فالمدينة أصلاً تعاني وضعاً خدمياً واقتصادياً سيئاً.
ويقول الناشط الإعلامي مهاب الناصر، من محافظة الرقة، لـ”عربي21“: “الأسعار مرتفعة خلافاً للمناطق الأخرى، ناهيك عن نقص بعض المواد الغذائية والطبية، والكهرباء تأتي من ثلاث لأربع ساعات يومياً، والماء مرة واحدة في الأسبوع، وازداد الفقر بعد منع التنظيم السفر، وعدم قدرة الموظفين استلام رواتبهم”.
ويتخوف الأهالي من القصف كثيراً، فللتحالف سوابق كثيرة باستهداف المدنيين. يقول بدر الجميلي:” قصف التحالف يوم الجمعة الماضي قرية أرشاف بريف حلب الشمالي فقتل عشرة مدنيين من عائلة واحدة، وقصف في ريف الرقة قرية حمرة ناصر، وراح ضحيتها ستة مدنيين”.
ويبقى التخوف الأكبر من دخول قوات الحماية الكردية، إذ ينظر لها الأهالي نظرة سلبية ومتشككة. ويقول الحقوقي أبو عبد الله: “سيستثمر التنظيم هذه النقطة، وهو يعرف أن كثيراً من الشباب العرب سينضمون له، ليس حباً به، بل كرهاً بالقوات الكردية، ولذلك فعّل فكرة قتال الأنصار معه دون بيعة”، كما يقول.
وطول فترة حكم التنظيم جعل مصير كثيرين يرتبط به بشكل غير مباشر، وبالتالي يرى الأهالي أن الجيش الحر الوحيد القادر على فهم هذا الترابط خلافاً للقوات الكردية. وينظر لقوات الحماية الكردية في المنطقة على أنها قوات رديفة لقوات النظام السوري، وهناك كثير من المطلوبين للنظام يخشون كذلك سيطرة الكرد على المدينة، كما يروي ناشطون من الرقة.
ويُتوقع أن تترك معركة الرقة آثاراً على الخارطتين السياسية والعسكرية في سوريا. فطرد التنظيم من الرقة يعني سقوطه عسكرياً في ريفي حلب الشرقي والشمالي، مع توسيع منطقة سيطرة الوحدات الكردي، ما يثير مخاوف من تعزيز سلطة الأمر الواقع والمضي نحو المشروع السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بشأن فكرة الحكم الذاتي وما تثيره من احتمالات التقسيم.
عربي21