بينما تمضي معركة الرقة في طريق شبه واضح حيث تهيأت كل الظروف لتمكين الميليشيات الكردية (قوات سوريا الديمقراطية) من تحقيق “نصر سهل” على تنظيم “الدولة” ( داعش)، يواصل نظام الأسد محاولاته للتمدد في كل الاتجاهات الممكنة أمامه، والتي تساعد في تحديد مناطق نفوذه خلال المرحلة المقبلة بناءً على اتفاق “تخفيف التصعيد” الذي تم توقيعه في أستانا الشهر الماضي، وهي مناطق تشمل الريف الشرقي لحلب ودرعا في جنوبي البلاد، فضلاً عن “تنظيف” العاصمة دمشق ومحيطها من أي وجود معارض.
ويبدو المشهد في شرقي سوريا شديد التعقيد، حيث لا يخفى أن صراعاً يدور بين قوى دولية وإقليمية ومحلية مختلفة للسيطرة على “تركة داعش” في تلك المنطقة الممتدة على مساحات شاسعة تعادل أكثر من نصف مساحة البلاد، والمتصلة مع حدود دولتين هما العراق والأردن.
انحسار متواصل
وبينما تقترب معركة الرقة من الحسم، تدور بشكل موازٍ معارك أخرى في الجنوب الشرقي في المنطقة الممتدة من نقطة تقاطع الحدود السورية العراقية الأردنية قرب معبر “التنف” ومنها غرباً كخط مستقيم إلى ريف حمص الشرقي عند أقرب نقطة وصلت اليها قوات النظام في منطقة “السبع بيار” (على بعد 50 كيلو متر من منطقة التنف) وإلى الجنوب من هذا الخط وصولاً إلى محافظتي درعا والسويداء، في معارك منفصلة جغرافياً، لكنها متصلة جيوسياسياً، تتقاتل فيها القوى الرئيسية نفسها الموجودة في الساحة السورية، وذلك بهدف السيطرة على المعابر والحدود.
وقد حققت “قوات سورية الديموقراطية” (قسد) المزيد من التقدم على طريق السيطرة على مدينة الرقة؛ معقل تنظيم “داعش” وذلك بعد إعلان متحدثين باسم هذه القوات عن قرب بدء المعركة النهائية على المدينة، وبعد إعلان “قسد” السيطرة على سد البعث الواقع على نهر الفرات، بريف الرقة الغربي، وعلى بلدتي المنصورة وهنيدة جنوب السد، تكون قد وصلت إلى مشارف حي المشلب شمالي شرقي الرقة، وسيطرت على أجزاء واسعة منه، بعد سيطرتها على عشرات القرى المحيطة به كالصالحية والأسدية، إلى جانب معمل السكر ومجمع الأقطان.
ويقول متحدثون باسم “قسد” أن المعركة لن تكون سهلة في الرقة لأن تنظيم “داعش” يقوم بتحضيرات كبيرة جدًا في المدينة، وهناك أنفاق وتلغيم ومفخخات وانتحاريون، فضلاً عن استخدامه المدنيين كدروع بشرية.
وترافق ذلك مع تصريحات لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال فيها إن وزارة الدفاع الروسية لديها معلومات مؤكدة حول اتفاق بين “قوات سوريا الديمقراطية” وتنظيم “داعش” لانسحاب عناصر التنظيم من مدينة الرقة، مشيراً في تصريحات نشرت على موقع الخارجية الروسية إلى أن القوات الجوية الروسية تمكنت من القضاء على مجموعة تابعة لـ”داعش” خلال انسحابها من الرقة باتجاه مدينة تدمر التي تسيطر عليها قوات النظام، في حين يتمركز عناصر التنظيم في محطيها. واعتبر لافروف، أن هذا الاتفاق يُظهر عدم كفاءة التنسيق بين الجهات التي تحارب “الإرهاب” في سوريا، داعياً إلى مناقشة ذلك في محادثات أستانا.
وفي إطار هذا الانحسار المتواصل لسيطرة “داعش” في وسط البلاد وشرقها، سيطرت قوات النظام والميليشيات المساندة لها على مدينة مسكنة وقرى مسح الطرن والمحمودية بريف حلب الشرقي.
وتعد مدينة مسكنة آخر معاقل تنظيم “داعش” في حلب، وذلك عقب خسارته مناطق واسعة بالريف الشرقي لصالح قوات النظام والميليشيات المساندة لها، بإسناد من الطيران الروسي.
ومع هذا التقدم لقوات النظام، تكون وصلت إلى أطراف الحدود الإدارية لمدينة الرقة، ومناطق نفوذ “قوات سوريا الديموقراطية”.
معركة درعا
في المعركة الرئيسة الأخرى التي تدور رحاها في البادية السورية وصولاً إلى محافظة درعا في الجنوب تجددت المواجهات بين فصائل المعارضة وقوات النظام والميليشيات المقاتلة معها، حيث حشد النظام قوات كبيرة على أطراف المدينة استعداداً لإطلاق عملية واسعة يعتقد أن الهدف منها لن يكون استعادة ما خسره النظام في حي المنشية بدرعا البلد وحسب، بل استعادة درعا البلد كلها، لتكون مدينة درعا بالكامل تحت سيطرته، حيث يسيطر الآن على نصفها أو ما يسمى درعا المحطة.
وقد صعدت قوات نظام الأسد من قصفها الجوي والصاروخي على مناطق سيطرة قوات المعارضة في درعا البلد والمناطق المحيطة، ما أوقع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين، فيما يعتقد أنه تمهيد يسبق هجوم عسكري شامل على المنطقة من جانب قوات النظام.
ومنذ أواخر الشهر الماضي، عمدت قوات النظام إلى إرسال تعزيزات كبيرة إلى مدينة درعا وصل بعضها الى أطراف المدينة، لكن جُلّها تركّز في منطقتي إزرع وخربة غزالة اللتين يسيطر عليهما النظام في الريف الشمالي، وضمت مئات المقاتلين من “الفرقة الرابعة” التي يقودها العميد ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام الذي راجت معلومات أنه زار مدينة ازرع نهاية الشهر الماضي برفقة عدد من ضباط فرقته الذين ما زالوا هناك بغية التخطيط والمشاركة في معركة درعا المرتقبة.
كما انتشرت عبر مواقع “التواصل الاجتماعي” صور لأرتال من “قوات الغيث” التابعة للفرقة الرابعة، بقيادة العميد غياث دلة، وهي متجهة من دمشق إلى درعا.
ورأى مصدر عسكري من المعارضة السورية أن قوات النظام وهي تحاول جس النبض لاستكشاف الجهة المناسبة لبدء هجومها على درعا البلد، قد تحاول السيطرة على المناطق الشرقية المحيطة بمدينة درعا، بغية قطع خطوط الإمداد عن قوات المعارضة مشيراً إلى تكثيف الغارات الجوية على بلدة النعيمة المجاورة لدرعا من الجهة الشرقية، وعلى بلدة غرز التي تضم محكمة در العدل في حوران، والتي تم إخلاؤها منذ أيام تحسبا لمثل هذه الاحتمالات، ورأى المصدر أن قوات النظام تحاول رسم حدود المنطقة الجنوبية استباقاً لاجتماعات أستانا التي ستبحث في موضوع هذه الحدود خلال اجتماعها المقبل بعد أسبوع.
ممرّات إيران
في غضون ذلك، تدور معركة أخرى في عمق البادية السورية بين فصائل من المعارضة وقوات النظام في منطقتي تل دكوة، وبئر القصب في القلمون الشرقي بريف دمشق، وذلك بالتزامن مع قصف مدفعي وصاروخي متبادل في حين، شنّت المقاتلات الروسية غارات جوية على المنطقتين.
وكانت فصائل المعارضة أكدت مقتل 25 عنصراً من قوات النظام والميليشيات المساندة لها في منطقة تل دكوة خلال الاشتباكات بين الجانبين في إطار العملية العسكرية المسماة “الأرض لنا”، بغية إيقاف تقدم النظام في البادية السورية بريف دمشق.
وأعلنت فصائل المعارضة تعرضها لقصف جوي قامت به طائرات روسية خلال اشتباكها مع قوات النظام في منطقة حاجز “ظاظا” قرب قرية “سبع بيار” التي تقع على الطريق الدولي بين دمشق وبغداد، وفي المقابل فان الفصائل هاجمت قوات النظام دون إسناد جوي من طيران التحالف كما كانت تأمل، والذي استهدفت طائراته قبل حوالي أسبوعين قوات النظام خلال محاولتها التقدم نحو معبر التنف الحدودي مع العراق، كما ألقت طائراتهم مناشير تحذر تلك القوات من الاقتراب من منطقة المعبر ومحيطها وتدعوها للانسحاب من المنطقة.
وقال المتحدث باسم البنتاغون جيف دافيس إن وجود الميليشيات المدعومة من إيران والمساندة لنظام الأسد قرب منطقة التنف يهدد قوات التحالف الدولي المنتشرة هناك.
وأوضح دافيس في تصريحات صحفية، “أنهم شاهدوا الميليشيات تقوم بدوريات في شمال وغرب التنف، وأن قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ألقت منشورات من الجو لتحذير تلك القوات من أجل الابتعاد عن المنطقة”.
وتقول قوات النظام أنها استعادت أكثر من خمسة آلاف كلم مربع من البادية السورية في ريفيَ دمشق وَحمص، منذ التاسع من أيار الفائت على حساب تنظيم “داعش” وفصائل المعارضة المدعومة من جانب التحالف الدولي، حيث امتدت منطقة التقدم من منطقة المحسة ومحيطها جنوباً، إلى تلال محيطة بمنطقة الباردة شمالاً، وصولاً إلى السكري شرقاً، وحتى مثلث ظاظا جنوباً، كما حققت قوات النظام تقدماً على شكل ممر ضيق من حاجز ظاظا وصولاً لمنطقة الشحمي وزركا على الطريق المؤدي إلى معبر التنف الدولي.
وكانت مصادر مختلفة ذكرت أن إيران تسعى إلى إيجاد ممر بري يربطها مع البحر المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، وكان من المفترض أن يمر هذا الطريق من الشمال السوري قبل أن ينتقل إلى الجنوب تفادياً للمواجهة مع الولايات المتحدة المسيطرة في الشمال، ولكن وجود قاعدة أمريكية بمنطقة التنف بات يهدد ممر إيران الجديد أيضاً، وسعّت ايران إلى تحدي التحذيرات الأميركية، وما تزال تطلب من ميليشياتها وقوات النظام التقدم في المنطقة، مثلما توجّهت ميليشيات الحشد العراقية من الموصل باتجاه الغرب نحو الحدود السورية بهدف زيادة الضغط على أمريكا وإظهار أن لإيران اليد الطولى في المنطقة.
وبالفعل أعلنت ميليشيا الحشد الشعبي تمكنها من الوصول إلى قرية “أم جريس” على الحدود العراقية-السورية، مقابل ريف الحسكة الجنوبي، وذلك عقب انسحاب تنظيم الدولة من المنطقة، فيما تسيطر قوات سوريا الديموقراطية على الجانب السوري من الحدود.
محادثات أستانا
في غضون ذلك، أعلن سفير نظام الأسد في موسكو رياض حداد أن الجولة المقبلة من المحادثات الخاصة بسوريا ستجرى في أستانا، عاصمة كازاخستان في 12 و13 حزيران.
ونقلت “رويترز” عن حداد قوله إن “النظام السوري” تلقى دعوة للمشاركة في هذه المحادثات، وكان اجتماع أستانا الأخير الذي عقد في الرابع من الشهر الماضي شهد توقيع الدول الراعية (روسيا وتركيا وايران) على اتفاق إنشاء 4 مناطق منخفضة التصعيد في سوريا تشمل ثماني محافظات من أصل 14 محافظة سوريا.
صدى الشام