ميشيل كيلو – العربي الجديد
تتضح يوميا نتائج ضربة واشنطن ولندن وباريس العسكرية التي استهدفت مرافق كيميائية وعسكرية أسدية في سورية. وقد سبق أن تساءلت عن القصد منها، إن كانت لم تستهدف الأسد، أو غلبته العسكرية، أو وقف الحرب، أو الاحتلالين الإيراني والروسي، وقلت إنها رسالةٌ حملت التحديدات الثلاثة التالية:
لا لانفراد روسيا بالحل، ولا حل في صيغة أمر واقع روسي. لا لحل روسي مع إيران وتركيا، ولتجاهل الغرب ومصالحه. الحل دولي ويجب أن يكون طرفاه روسيا والغرب، مع مراعاة مصالح إيران وتركيا التي لا يجوز أن تخرج عنه. لا حل تمليه انتصارات النظام والروس والإيرانيين. الحل يجب أن تمليه القرارات الدولية وموازين القوى بين روسيا والغرب، مع التذكير بوجود أوروبا العسكري الثابت في سورية، وبالقوات البريطانية والفرنسية والألمانية المقاتلة التي تنتشر في قواعد بعضُها مشترك مع الأميركيين، وتضم مختلف أنواع الأسلحة، ويعترض قادة بلدانها على انسحاب قوات واشنطن من سورية.
لم تستهدف الضربة النظام ورئيسه، لأنها كانت رسالةً تتخطاه عنوانها روسيا، هدفها تحديد علامات حمراء أميركية/ أوروبية مشتركة لبيئة الحل الدولي، بالتعاون معهم، وبما يترك لهم مكانة فيه، ويطالبهم بنوعٍ من الممارسات والخيارات، تقيد فلتانهم على مناطق خفض التصعيد والتوتر، وحرية الأسد وإيران في المناطق خارجها، وتبدل نمط علاقاتهم مع طهران وأنقرة، لينفتح بالنتيجة باب التفاهم بين الغرب والكرملين على تطبيق القرارات الدولية بشأن سورية، أو على أية تفاهمات أخرى يمكن التوافق حولها، ويؤدي إقرارها إلى إغلاق باب الحل المنفرد وحل الأمر الواقع الذي يبدو كأن موسكو تحثّ الخطى نحوه، وتريد فرضه بالقوة على عالم أفهمتها الرسالة أنها ليست أقوى دولة.
فتح الغرب باب التواصل مع الروس، في خلوة عقدت بدعوة من السويد، يقال إن مندوبا من نظام الأسد كان بين الذين تابعوها عن كثب، لكن رد الروس جاء عصبيا وحربجيا ومشحونا بمختلف أنواع التهويل والأكاذيب التي أرادوا من خلالها تجنب ما سببته الضربة لهم من حرج، فهم تارة أبعدوا غواصة بريطانية عن الساحل السوري، فلم تطلق صواريخها، أو وضعوا خطوطا حمراء التزمت الدول الغربية بها، وطورا يعلنون أن الضربة أسقطت “الوازع الأخلاقي” الذي منعهم من إرسال صواريخ إس 3000 إلى الجيش الأسدي (وصلت الصواريخ يوم 21 من إبريل/ نيسان الجاري وسط إجرءات غير مسبوقة في مرفأ طرطوس، كتغطيته بغلالة من دخان حجبت الرؤية عنه!)، ثم بدأ وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يهدّد بتقسيم سورية، قبل أن يدخل بوتين على الخط، ويرد بلغةٍ تصعيديةٍ على الضربة، وما تلاها من تطوراتٍ وضعت روسيا بين أمرين أحلاهما مر: عسكري لا يمكنها تجاوزه، وسياسي يفتح أمامها باب الخروج من رهانٍ ربما كان باستطاعته قهر ثورة السوريين، لكنه لا يستطيع لي ذراع أميركا وأوروبا اللتين أقدمتا على تحدٍّ لم ينفع معه تهويل سفير موسكو في بيروت بـ”الرد على مصادر العدوان”، أو مبالغات الجنرالات الروس بقدرات أسلحتهم الرادعة.
يبدو أننا أمام تطورٍ يقود إلى انخراط غربي محسوب في المسألة السورية، ستستخدم فيه وسائل لم يسبق أن استخدمت من قبل: على الصعيد السياسي بالدرجة الأولى، ومن ثم العسكري، التزاما بالمحدّدات الثلاثة التي ذكرتها في مطلع هذا النص، والتي يبدو أنها ستلزم الغرب بمواقف لم يسبق له أن اعتمدها، فيها نهاية حقبة انفرد الروس خلالها بسورية.