الأسد ذهب في أجوبته على الأسئلة كما يفعل دائما: “كيف يمكنني أن أجلس هنا كرئيس إذا كان صحيحاً بأن الجيش يقتل المدنيين، ويقصف المشافي ويمارس هذه الجرائم؟ أنا لست سوبرمان”. الإجابة على سؤال الواقع يراه الأسد “تجنياً” على الواقع، إذ يضيف ما يردده للإعلام الغربي: “لو أنني لست مؤيداً من الشعب السوري لن أكون جالسا هنا. ولأنني أحظى بدعمه أقوم بحماية الشعب السوري، وبهذا نستطيع أن نسامح من يتهمنا كل تلك التهم”.
المعلقون الدنماركيون على المقابلة أعادوا التذكير بالواقع الذي يرونه من خلال اللاجئين السوريين في بلدهم، وصور الدمار والقصف للمشافي المنتشرة في مواقع الصحف والتلفزة المحلية من داخل تلك المستشفيات.
بل حتى وزير الخارجية، كريستيان يانسن، أكد للقناة ذاتها بأن كل هذا الذي يقوله “ليس سوى تلاعب صريح”. وأضاف يانسن: “نحن نعرف من يقصف حلب، ونعرف من هم الذين يتم قتلهم وإصابتهم، إنهم معارضو الأسد. ما عليه سوى أن يجمع حقائبه ويرحل بدل هذا التمسك بالسلطة من خلال تدفيع المدنيين كل هذه الأثمان الباهظة”.
وكممثل عن السياسة الخارجية لبلده، الذي حاول الأسد دغدغة مشاعر الشعب الدنماركي بأنه صديقه، قال يانسن: “هو (الأسد) الذي يقف وراء عمليات هجومية متواصلة في حلب وإصابة المشافي التي تهتم بالمدنيين. ما يجري في حلب من قبل الأسد وروسيا جرائم ضد الإنسانية. هو استخدم الغاز وقتل شعبه، كل الأدلة معروفة، ولدينا ما هو موثق”.
وأثارت جملة حول الدنمارك وقالها الأسد، وهي “دولة غير مستقلة في سياستها وتتبع أميركا، وأن الشعب الدنماركي ليس عدواً لسورية، هناك فرق بين الشعب الذي هو صديق لسورية وبين سياسات الحكومة”، عشرات التعليقات الناقدة التي لم يكن أقلها ما كتبه مارتن سوندغوورد: “هذا أكثر ديكتاتور سمعته يكذب، ويريد أن يقنعنا بأن نظام حكمنا مثل نظامه الديكتاتوري بلا رقابة أو شعبية؟”.
الملاحظ هذه المرة وعلى وقع ما يجري في حلب أن اليمين المتطرف الذي يدعم وجود الدكتاتورية في سورية وغيرها، حتى لا يحضر اللاجئون، لم يستطع أن يدافع عمّا جاء في لقاء الأسد. فقد ترافق إجراء اللقاء وعرضه، اليوم، مع حملة إعلامية من القناة ذاتها (التي هي بالمناسبة ذات توجه يميني وشعبوي)، اضطرت فيها لعرض صفحات كاملة عن بشار بعنوان “الأخ الصغير أراد أن يكون طبيب عيون لكن موت أخيه جعله الديكتاتور”، وفيه سرد كامل وبالصور لتاريخ عائلة الأسد وكيف حكمت سورية، وفيه تستشهد القناة بالتناقض بين واقع أطفال سورية وتلك التي تعرض “على موقع رئاسة الجمهورية السورية”.
أقوى الردود التي تعرضت للمقابلة جاءت من الزعيم في حزب الشعب الاشتراكي، هولغا ك نيلسن، والذي قال إنه “على هذا الديكتاتور أن يخرس تماما عن ترداد هذا الهراء. هو أصل كل هذا الذي يجري في سورية والمنطقة، وما يجري من مأساة في حلب نعرف جميعا من المسؤول عنها. لقد عاش هتلر بالعزلة والتهيؤات نفسها والأسد يعيش حالة الإنكار نفسها. أتفق مع وزير الخارجية بأن عليه الرحيل. نحن أصدقاء مع الشعب السوري الهارب من رعب الأسد، لسنا أصدقاء هذا النظام الدموي الذي يتكشف وجهه البشع في حلب”.
مدير الأخبار في القناة الثانية، ميكائيل هيرتز، حاول التبرير بوجه الغضب الشديد الذي أثاره فقط إعلان عرض اللقاء (حيث سيعرض كاملا في وقت لاحق اليوم الخميس)، بالقول: “هذا النزاع الدموي أدى إلى مقتل أكثر من ربع مليون إنسان وطورد الناس بالملايين للنزوح عن بيوتهم، داخل البلد وخارجه، وبعضهم نحو أوروبا. أردنا سؤاله عما إذا كان يقصف المشافي في حلب عن قصد، وهل تقصف الأماكن المدنية عن سابق ترصد؟ أردنا كصحافيين أن نسمع القصة من الجانبين. مراسلنا راسموس تانتهولم وجها لوجه مع الأسد وبشروطنا التي تقول بأننا لن نعرض هذا اللقاء إذا ما تدخل السوريون فيه فلم نعرض أسئلتنا مسبقا. أمس فقط سمح لنا باللقاء معه، بعد أشهر من الانتظار. ونود لو نجري أيضا لقاء مع بوتين والإيرانيين وحزب الله والآخرين الذين يدعمونه في حربه هذه”.
كثير من المعلقين السياسيين ذهبوا إلى أن هذا اللقاء “جر على الأسد مزيداً من التأكيد بأنه ديكتاتور يعيش الوهم، ويؤكد مرة أخرى بأنه بدون رحيله لن يكون هناك سلام في سورية”.
ولم تغب عناوين صحف الدنمارك عن هذا الغضب الذي أثارته تصريحات الأسد حول بلدهم، فكتبت اكسترا بلاديت: “الديكتاتور يتهم الدنمارك، هذا الديكتاتور الذي تتهمه كل المنظمات الدولية بممارسة التعذيب وصل إلى السلطة في عام 2000 كمرشح وحيد لها: يتهم بلدنا بأن حكومتنا ليس لها علاقة بالشعب!”.
العربي الجديد