نشر موقع “Just Security“، التابع لمركز “Reiss” للقانون والأمن في كلية الحقوق بجامعة نيويورك، تحليلاً قانونياً للكاتبتين أليسا ياماموتو، المتخصصة بالقانون الدولي والنزاع بين الدول، وبلقيس جراح، المديرة المشاركة في برنامج العدالة الدولية في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، حول الدعوى التي رفعتها مؤخراً هولندا ضد نظام الأسد.
قالت الحكومة الهولندية إن حكومة نظام الأسد ردت على نيتها رفع دعوى قضائية في محكمة العدل الدولية بأن “هولندا ليس لها الحق في معالجة حقوق الإنسان”، وأن عملها “يتجاوز الأمم المتحدة والقانون الدولي.
وأعلنت هولندا، في 18 من أيلول الجاري، أنها أبلغت نظام الأسد بنيتها تحميل حكومته مسؤولية التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
وتعتبر المراسلات الهولندية خطوة مهمة يمكن أن تؤدي في النهاية إلى مقاضاة نظام الأسد في محكمة العدل الدولية، وقد يكون هذا الجهد بمثابة كسر آخر لعرقلة المساءلة الدولية عن الجرائم المرتكبة في سوريا.
وقال وزير الخارجية الهولندي، ستيف بلوك، إن نظام الأسد “ارتكب جرائم مروعة مرة بعد مرة، والأدلة دامغة على ذلك”، في حين قامت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن سوريا، ومنظمة “هيومن رايتس ووتش”، بتوثيق الاستخدام المتفشي للتعذيب في مراكز الاعتقال الرسمية والمؤقتة التي يديرها النظام.
وبحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، لقي أكثر من 12 شخصاً حتفهم تحت التعذيب في معتقلات نظام الأسد، حيث تتراوح أساليب التعذيب الجسدي والنفسي بين الإيهام بالغرق والاغتصاب وإشعال النار وإلقائهم في زنازين مع جثث معتقلين متوفين.
وتشير الأدلة إلى الاستخدام المنهجي والواسع النطاق للتعذيب في 27 مركز احتجاز على الأقل في سوريا، وإلى سياسة النظام التي يمكن أن تورط مسؤولين رفيعي المستوى في نظام الأسد في قضايا التعذيب.
الدعوى الهولندية ليست كافية
وبينما تتراكم الأدلة على الجرائم الفظيعة التي قام بها النظام، فإن العدالة للانتهاكات كانت محدودة، وعلى الرغم من اكتساب القضايا القضائية التي تتناول المسؤولية الجنائية الفردية في المحاكم الأجنبية زخماً، إلا أنها ليست كافية لمعالجة نطاق الإجرام الموثق في سوريا على مدى العقد الماضي.
وبدأت إحدى هذه المحاكمات التاريخية في ألمانيا في نيسان الماضي، ضد مسؤولين سابقين في أجهزة النظام الأمنية، متهمةً إياهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ويتهم الادعاء الألماني أحدهما بالإشراف على تعذيب المعتقلين بين عامي 2011 و2012 في أحد المعتقلات بدمشق.
وفي حين تعتبر الخطوة الألمانية بمثابة تذكير مهم بأن هناك حاجة إلى المزيد من ضمان المساءلة عن الفظائع المروعة في الصراع السوري، تم إحباط جهود مساءلة دولية أخرى أكثر شمولاً لسنوات، حيث استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو)، في العام 2014، ضد قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كان من شأنه أن يمنح المحكمة الجنائية الدولية تفويضاً في سوريا.
وفي العام 2019، قالت موسكو إنها ستمنع مجلس الأمن من إحالة المزيد من الحالات إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو إنشاء أي محاكم جنائية جديدة مثل تلك التي تم إنشاؤها لرواندا أو يوغوسلافيا السابقة.
وبموجب اتفاقية “مناهضة التعذيب”، يمكن تقديم نظام الأسد إلى محكمة العدل الدولية، حيث هو طرف فيها، وموقع عليها، وستكون قضية محكمة العدل الدولية بمثابة الخطوة الأولى، من قبل دولة أخرى ذات سيادة، لمحاسبة سوريا على أساس مسؤولية الدولة.
وتنص المادة 30 من اتفاقية “مناهضة التعذيب” على اختصاص محكمة العدل الدولية في تسوية النزاعات، ويمكن للدول الانسحاب من اختصاص المادة 30، لكن نظام الأسد لم يبدِ أي تحفظ على ذلك، ويجوز للدول الأطراف في المعاهدة، بما فيها هولندا، رفع دعوى ضد نظام الأسد.
كما اعترفت محكمة العدل الدولية صراحة في قضية بلجيكا ضد السنغال، وهي القضية الوحيدة المرفوعة بموجب اتفاقية “مناهضة التعذيب” حتى الآن، فإن الاتفاقية تنشئ التزامات تجاه كل الدول، فكل دولة طرف في المعاهدة يقع على عاتقها التزامات تجاه الدول الأطراف الأخرى للامتثال بالمعاهدة، نظراً إلى المصلحة المشتركة، في تحقيق الأهداف السامية التي هي سبب وجود الاتفاقية.
عقبات اتفاقية “مناهضة التعذيب”
ولكن قبل أن تتمكن هولندا من الشروع رسمياً في إجراء محكمة العدل الدولية، يجب أن تفي بمتطلبات الولاية القضائية للمادة 30 من اتفاقية “مناهضة التعذيب”، حيث يجب أولاً وجود نزاع بشأن تفسير أو تطبيق المعاهدة، وثانياً لا يوجد إمكانية لتسوية هذا النزاع من خلال المفاوضات، وثالثاً لا يمكن للطرفين الاتفاق على التحكيم خلال فترة ستة شهور من طلب التحكيم.
وبموجب الشق الأول، لكي يكون هناك “نزاع” بلغة محكمة العدل الدولية، يجب على الدولة الطرف التي ترفع الدعوى إثبات أن “ادعاء أحد الطرفين يعارضه الطرف الآخر بشكل إيجابي”، وقد يكون إنكار الادعاءات كافياً لإثبات هذه المعارضة.
ويمكن إطلاق المفاوضات المطلوبة بموجب الشق الثاني من المادة 30، من خلال مذكرات دبلوماسية، مثل تلك التي أرسلتها هولندا إلى سوريا، ويستلزم شرط التفاوض محاولة حقيقية من قبل أحد الأطراف المتنازعة للدخول في مناقشات مع الطرف المتنازع الآخر، بهدف حل النزاع.
وكما ذكرت محكمة العدل الدولية في قضية أوكرانيا ضد روسيا، يمكن تلبية هذا الشرط المسبق عندما يكون هناك فشل في المفاوضات، أو عندما تصبح المفاوضات عقيمة أو في طريق مسدود.
وفي قضية بلجيكا ضد السنغال، وجدت محكمة العدل الدولية أن هذا الشرط قد تم الوفاء به بعد تبادل كامل للمراسلات والاجتماعات المختلفة، التي استندت فيها بلجيكا صراحة إلى المادة 30، وأكدت السنغال أنها تمتثل لالتزاماتها، ولاحظت المحكمة أنه لم يطرأ أي تغيير على مواقف الأطراف، وإنه، وفقاً لمرافعات الأطراف، فإن مواقفهم الأساسية لم تتطور، وتؤكد أن المفاوضات لم تؤدِ، ولا يمكن أن تؤدي، إلى تسوية النزاع.
وإذا ثبت عدم جدوى المفاوضات مع نظام الأسد، حينها يجب على هولندا أن تحقق الشق الثالث في التحكيم، فلا يمكن للسلطات الهولندية إحالة النزاع رسمياً إلى محكمة العدل الدولية إلا إذا لم تتمكن الأطراف المتنازعة من الاتفاق على عملية تحكيم حقيقية في غضون ستة أشهر من طلب التحكيم.
ويتجاوز التحليل الشامل للادعاءات المحتملة بشأن الأسس الموضوعية بموجب اتفاقية “مناهضة التعذيب” نطاق هذا التحليل، لكن باختصار، قد تكون هناك ادعاءات ناشئة عن فشل سوريا في منع مزاعم التعذيب ذات المصداقية والتحقيق فيها، ومحاكمة أو تسليم المشتبه بهم، وتوفير الإنصاف المناسب للضحايا.
وتتزايد الأدلة، منذ سنوات، على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا، مع عدم وجود أي مؤشر على تباطؤ أو إصلاح سياسة نظام الأسد في ممارسة التعذيب والانتهاكات، فمنذ بداية الصراع اعتقل نظام الأسد عشرات الآلاف، ومؤخراً جعلت جائعة “كورونا” حياة المعتقلين أكثر عرضة للخطر.
قد تمثل المذكرة الدبلوماسية لهولندا خطوة أولى نحو الحاجة الماسة لمساءلة نظام الأسد، ويجب على الحكومات الأخرى أن ترحب علناً بهذا الإجراء المبدئي، وأن تنضم إلى الهولنديين في جهودهم، وأن تستكشف طرقاً مماثلة لتأكيد سيادة القانون.
نقلا عن تلفزيون سوريا