لا تُحسم نتائج الحروب بالضرورة في المعارك التكتيكية أو العمليات العسكرية طويلة المدى، وإطلاح سراح إثنين من المختطفين الإسرائيليين في رفح لم يكن سبب كافي لإعطاء الضوء الأخضر لاستمرار العملية العسكرية في رفح، لأن ذلك قد يُشجع على استمرار التوترات العسكرية في المنطقة، ويتطلب الأمر سياسة إستراتيجية طويلة الأمد تأخذ بعين الاعتبار جميع المخاطر المحتملة التي قد تنشأ عقب دخول الجيش الإسرائيلي محافظة رفح، لذلك ينبغي اتخاذ القرارات السياسية بناءً على تقديرات المخاطر والتصرف بالمنطق، حيث أن القضاء على المقاومة الفلسطينية بأي ثمن ليس كافي مفرده لخوض هذه المعركة، سأقدم بعض الأسئلة التي ينبغي النظر فيها قبل الدخول لمخيمات النازحين في محافظة رفح.
- هل من الممكن نقل مليون نازح إلى المناطق الآمنة دون استخدام الأسلحة النارية؟ وماذا سيفعل الجيش بالذين يختارون البقاء في منازلهم كما حصل بغزة والشمال؟ وهذا قد يثير غضباً عالمياً وتحريك مجلس الأمن والأمم المتحدة للانعقاد من جديد.
- إذا نجح الجيش في نقل مليون نازح إلى أماكن آمنة بواسطة المنشورات الملقاة من الجو أو المكالمات الهاتفية، كما صرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي فهل أخذ بالحسبان أن التحكم في نقل هذا العدد من النازحين من مكان إلى آخر من الممكن أن يكون السير في اتجاهات معاكسة لما يحددها الجيش الإسرائيلي وفي هذه الحالة المشكلة تكون غاية بالتعقيد.
- إذا حصلت هذه الإضرابات فعلاً، فستخلق أزمة إنسانية وعلى كلا الأحوال ستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً بوقف القتال في غزة.
- حتى لو قطع الجيش الإسرائيلي كل هذه العوائق بسلام، فإنه من الواضح تلقائياً أن مليون نازح لا يمكن السيطرة عليهم بشكل كامل والتحكم في تحركاتهم وأماكن تواجدهم، وسيعرض المدنيين إلى خطر لا مفر منه، من خلال الإبادة الجماعية.
حتى في حال دخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح، من المحتمل أنه لم يتمكن بالكامل من القضاء على المقاومة الفلسطينية وخاصة “حماس” وسيواجه تحديات أمنية معقدة بعد ذلك. ستتورط إسرائيل في مواجهة أمنية أكثر تعقيداً مما هو عليه في الوقت الحالي، وسيكون هناك احتكاكات عسكرية مسلحة مما يؤدي إلى زيادة حدة التوتر في منطقة الشرق الأوسط وهذا يعمل على زعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة. ومن المحتمل أن تخسر إسرائيل بشكل كبير عدد من المخطوفين لدى المقاومة في غزة وتبدي بحياتهم إلى الأبد، وهذا قد يكون بمثابة تحدي كبير لإسرائيل. فـ إسرائيل تضع قيمة كبيرة على سلامة جنودها وفقدان المختطفين قد يثير موجة من الضغط الداخلي بالمجتمع الإسرائيلي على حكومة بنيامين نتنياهو للمطالبة بالإفراج عن ذويهم وإنقاذهم من خطر الموت، بصورة عامة احتجاز الجنود الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة نقطة تحول حاسمة في هذه الحرب، مما يعزز التعقيدات السياسية والأمنية لإسرائيل ويضعها في موقف صعب دولياً وداخلياً، وبالمقابل تشكل نقطة قوة للمقاومة الفلسطينية بغزة.
الحل الوحيد لتجنب وقوع كارثة حقيقية بحق المدنيين في غزة وبالتحديد محافظة رفح، وبنفس الوقت لإعادة المختطفين الإسرائيليين هو التوصل إلى اتفاق ملموس وحقيقي من خلال المفاوضات ويجب أن تشمل هذه المفاوضات جميع الأطراف المعنية، مع وجود دور قيادي للدول الراعية مثل مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية.
تحقيق التوصل إلى اتفاق يعني العمل على إيجاد حل سلمي يلبي مطالب الجانبين ويحقق مصالحهم، وينبغي أن يتضمن الاتفاق آليات لضمان وقف فوري ودائم لإطلاق النار وإعادة إعمار غزة وتحسين الظروف المعيشية فيها. بالإضافة على إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح المختطفين الإسرائيليين، هذا الحل يمكن أن يمهد الطريق لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة ويخفف من التوترات المستمرة، وأن يحد من المعاناة الإنسانية والخسائر البشرية الناجمة عن حرب الإبادة الجماعية التي تستمر إسرائيل بها بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
بقلم الدكتور/ رمزي منصور