تتجه الأزمة الأوكرانية إلى أن تكون شرارة حرب عالمية ثالثة إذ يكفي أن يحدث تطور غير متوقع وتستخدم روسيا القوة المفرطة كما حدث في سوريا عبر قصف ممنهج للمدن، الأمر الذي سيدخل الغرب في المواجهة وتخرج حينها الأمور عن سيطرة الكرملين وتوقعاته وكأن سيناريو الحربين العالميتين السابقتين يتكرر مع تغير طفيف باللاعبين.
أسباب الحرب العالمية الأولى والثانية أبسط مما هي عليه الآن من التعقيد .. ففي الحرب العالمية الأولى كانت الشرارة التي أشعلتها هي حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند مع زوجته من قبل طالب صربي أثناء زيارتهما لسراييغو 28 حزيران عام 1914.
كانت الأجواء ممهدة للحرب حينها فالعلاقات الدولية متوترة في مطلع القرن العشرين بسبب أزمة البلقان والصراع الفرنسي الألماني حول الحدود ونمو النزعة القومية داخل أوروبا وتطلع بعض الأقليات إلى الاستقلال.
أما الحرب العالمية الثانية فكان السبب المباشر لها قيام ألمانيا بغزو بولندا في 1 أيلول 1939م وكانت الأجواء حينها أيضاً مليئة بمشاعر الكره والعنصرية مثل أفكار الفاشيّة الإيطاليّة والنزعة العسكرية اليابانية وظهور أدولف هتلر وحزبه النازي العدواني.
اليوم لدينا روسيا ثاني قوة نووية في العالم تملك مصادر طاقة تعتمد عليها أوربا الغربية من خلال شرايين الغاز التي تزودها بحوالي ربع احتياجاتها مما يدفعها لغض الطرف عن ممارسات روسيا وتجرؤها على خرق القانون الدولي وضربها عرض الحائط بحقوق الإنسان وظهر ذلك جلياً في إطلاق يدها في سوريا وما رافقه من قتل وتهجير يرتقي الى جرائم الحرب بلا إدانة غربية حقيقية أو سعي لإيقاف هذه المهزلة.
سوريا كانت المؤشر الأوضح أن الغرب هو الرجل المريض في المعادلة الكونية الجديدة وعليه أن يكتفي بالبكاء والنحيب دون أن يستمع له أحد وبخاصة مع وجود قوى صاعدة مثل الصين وروسيا التي فرضت وجودها بالقوة الاقتصادية والعسكرية.
المؤشرات التي قدمها الغرب وأمريكا بالتحديد مع بدء أزمة أوكرانيا شجعت بوتين على تكرار مغامرته السورية لكن هذه المرة في أوكرانيا فقد صرح الرئيس الأمريكي بايدن بشكل واضح منذ بداية الأزمة أن بلاده لن ترسل قواتها أبداً للدخول في صراع مع روسيا وماطلت ألمانيا كثيراً في تطبيق العقوبات بل كل ما أظهرته من الدعم هو إرسال فرق طبية لعلاج المصابين بدلاً عن إرسال الأسلحة الفتاكة.. لقد فهم بوتين الرسائل الغربية بأنه عجز كامل من الغرب على ردع حصوله على لقب القيصر ذلك الحلم الذي يداعب خياله وما اللقطة المشهورة له حين تفتح له أبواب الكرملين لتتويجه رئيساً لروسيا إلا تعبير الغرور والنزعة القيصرية لديه.
يعرف الغرب جيداً أن أطماع قيصر الكرملين لن تقف عند حدود أوكرانيا بل سيتعداها إلى دول محاذية أخرى في أوربا الشرقية بل ربما سيصل به جنون العظمة الى أوربا الغربية نفسها فمادامت الطرق سالكة وممهدة بالشجب والتنديد الدبلوماسي فقط فلن يكون هناك رادع حقيقي.
أدرك الجميع متأخراً أن سوريا لم تكن مأساة السوريين فقط بل هي مأساة العالم بأكمله حين رضي بالسكوت عن الإجرام والقتل الوحشي الروسي وجعلها ساحة لتجريب أحدث منظومات القتل على الشعب المسلح بالبندقية فقط ليصبح اليوم الغرب نفسه هو الحصان الأسود الذي سيقول في النهاية “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”.
محمد مهنا / مقال رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع