يتساءل الجميع كم ستستمر عملية درع الفرات التي انطلقت في الرابع والعشرين من آب/ أغسطس الحالي؟ وما هي الأهداف الاستراتيجية للعملية؟ وهل يمكن أن تتوسع إلى خط الراعي- إعزاز في الغرب، والأهم من ذلك أن تتوسع جنوبا في اتجاه مدينة الباب لاعتراض وحدات حماية الشعب الكردي، ومنعها من التقدم باتجاه الغرب وتحدي الخطوط الحمراء التركية؟
جاء في عنوان صحيفة يني شفق المؤيدة للحكومة في ال25 من آب “هذه مجرد بداية”. ووصفت مصادر في الجيش السوري الحر في حديث للمونيتور، طالبة عدم الكشف عن اسمها، عملية درع الفرات بأنها “عملية معقدة لها أهداف رئيسية”. الاعتقاد السائد في أنقرة أن هذه العملية نجاح دبلوماسي لتغير نهج تركيا تجاه سوريا، والجهود الدبلوماسية المكوكية المكثفة التي قامت بها. أما على الصعيد العسكري فإن أنقرة ترى أن احتلال جرابلس في 12 ساعة دون سقوط ضحايا وتجنب معركة كبيرة مع تنظيم داعش نجاح كبير. وقال مصدر أمني في أنقرة للمونيتور “حان الوقت للاستفادة من هذه النجاحات. سيكون خطأ فادحا التفكير في أن تقتصر العملية على جرابلس فقط، بعد الإعداد لها لمدة عام”.
تحدثت مصادر في الأروقة الاستراتيجية في أنقرة ومن داخل عملية درع الفرات للمونيتور عن المدة المتوخاة للعملية وأبعادها. ويمكن تقسيم أهداف أنقرة إلى أهداف سياسية وميدانية.
الأهداف السياسية لدرع الفرات
على المستوى السياسي تريد أنقرة توحيد المعارضة السنية المسلحة تحت سقف واحد، في شمال سوريا على الأقل، والأفضل في سوريا بأكملها. ويبدو أن أنقرة أقنعت واشنطن وموسكو بأنه لا ينبغي تهميش جزء كبير من المعارضة السورية عند تحديد مستقبل سوريا. تعتقد تركيا أنها بهذه العملية أعطت فرصة لتوحيد المعارضة السورية المسلحة نحو هدف واحد وتحت قيادة واحدة وهيكل عسكري واحد. وتأمل أنقرة أنه بتوحيد صفوف المعارضة في شمال سوريا أولا ثم في حلب وإدلب يمكن للجيش السوري الحر أن يصير قوة ذات مصداقية على الأرض، ومقبولة على مائدة المفاوضات.
لكن سجل الجيش السوري الحر يثير أسئلة عن أدائه على أرض الواقع. فقد قال المصدر التركي الذي تحدث إلى المونيتور لكنه لم يشأ الكشف عن هويته: “الحرب في سوريا هي حرب أيديولوجيات، فأفراد الميليشيات الشيعية يموتون من أجل الأئمة الاثني عشر، وأعضاء وحدات حماية الشعب الكردية يموتون من أجل زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، عبد الله أوجلان، ومن أجل القومية الكردية، فمن ذا الذي يضحي الجيش السوري الحر بنفسه من أجله؟ من دون دافع جهادي فإن الغالبية العظمى من الجيش السوري الحر تبدو مثل عصابة من المرتزقة تقاتل من أجل المال” .
وعلى الرغم من أن أنقرة قد تكون لديها الفرصة لتوحيد المعارضة السورية سياسيا وعسكريا، فإن تحفيز هذه القوات لن يكون سهلا. ستحتاج هذه القوات إلى حافز لزيادة فعاليتها القتالية، لكن المبالغة في ذلك قد تصل إلى حد “الإرهاب”. وما من شك في أن مشاركة “المجموعات الجهادية المعتدلة” مثل فيلق الشام وأحرار الشام ستوفر بعض الدوافع. لكن على أنقرة أن تكون حذرة في استخدام هذه المجموعات ودمجها بالجيش السوري الحر حتى لا تقلق واشنطن وموسكو.
على المستوى العسكري تطرح أنقرة ثلاثة أهداف استراتيجية:
الهدف الأساسي لهذه العملية هو تأسيس قاعدة عسكرية دائمة في منطقة جرابلس حيث يمكن تدريب الجيش السوري الحر وتجهيزه خلال السيطرة على الأرض. وستُربَط هذه القاعدة بتركيا بممر جوي. وتشير الأعمال الهندسية الجارية في جرابلس إلى هذا الهدف. إن أرسلت أنقرة كتيبة كوماندوز إلى جرابلس، فسنفهم عندئذ أن أنها تفكر بجديّة في إقامة قاعدة عسكرية دائمة في جرابلس. وإن لم تتمكن تركيا من إقناع الدول الأخرى بالموافقة على هذه الفكرة، فإن الخطة الثانية لدى أنقرة جعل جرابلس مركز قوة عسكرية للجيش السوري الحر في شمال سوريا مع تواجد للجنود الأتراك.
الهدف الاستراتيجي الثاني لتركيا من هذه العملية هو الاستفادة من نجاحها بالتقدم غربا نحو خط الراعي- إعزاز الذي تطلق عليه أنقرة خط جرابلس- كوباني. لدى أنقرة هدفان من هذا التوسع: الأول هو السيطرة التامة على مساحة 55 ميلا على امتداد الحدود بين جرابلس وكوباني، والهدف الثاني ممارسة الضغط من جهة الشرق على منطقة عفرين التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وتتعرض بالفعل للضغط من جهة الشمال. تؤيد واشنطن وموسكو في الواقع قطع أنقرة لأهم خط إمداد لداعش داخل سوريا. وسيتطلب هذا من أنقرة بالطبع أن تتعهد لواشنطن وموسكو بأنها تنوي قتال داعش. ويدل غياب ردود أفعال قوية من الولايات المتحدة وروسيا حتى الآن على أنهُما أُعطيتا ضمانات، وأن الدولتين راضيتان على الأقل في الوقت الراهن.
الهدف الثالث لأنقرة من هذه العملية هو أشدها خطرا: الاستفادة من النجاح في جرابلس للمضي في اتجاه جنوب الغرب والاستيلاء على مدينة الباب. وإن اختارت أنقرة هذا الهدف، فإن اسم العملية يجب أن يتغير من درع الفرات إلى “خنجر الفرات”، لأنها بذلك ستُنهي حلم حزب الاتحاد الديمقراطي للربط بين عفرين عبر مدينة الباب، والسيطرة على منطقة شمال غرب حلب، والقضاء تماما على كل اتصال لداعش بتركيا.
على المدى الطويل حولت استعدادات داعش في الباب المدينة إلى معقل قوي للمقاومة. وعلى العكس من جرابلس يمتلك داعش قوة بشرية قوية وتحصينات في الباب حيث يعيش آلاف المدنيين. لكننا نعرف أيضا أن قوات سوريا الديمقراطية التي تتشكل في أغلبها من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي تتطلع أيضا إلى مدينة الباب. وإن حافظ الجيش السوري الحر الذي تدعمه أنقرة على الزخم الذي أظهره في جرابلس واستولى على مدينة الباب، فسيكون لديه أقوى معقل في شمال سوريا.
زيادة حدة القصف المدفعي من تركيا تجاه أهداف لحزب الاتحاد الديمقراطي في مدينة عفرين منذ ال26 من آب، وقصف الطائرات التركية لأول مرة أهدافا للاتحاد الديمقراطي في المدينة، يمكن أن يكون إرهاصا لتحول العمليات نحو الغرب.
يراقب الجميع الآن، وخصوصا واشنطن وموسكو، عن كثب الأداء القتالي للجيش السوري الحر المدعوم من أنقرة، فإن كان الأداء مثيرا للإعجاب، فعندئذ، وعلامة على حسن النوايا تجاه أنقرة، قد تعطي واشنطن وموسكو الفرصة للجيش السوري الحر لتحرير الباب. وإن كان الأداء ضعيفا، فسيسمح عندئذ لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بالهجوم على الباب. تقف واشنطن وموسكو اللتان رتّبتا الصراع القاتل بين الجيش السوري الحر والاتحاد الديمقراطي سعيدتين بهذه التطورات. سيكون اختبار أنقرة هو تحفيز الجيش السوري الحر، وعندئذ سيكون على حزب الاتحاد الديمقراطي أن يقرر ما إذا كان سيقبل أن توسعه في الشمال السوري قد انتهى، وأن هناك الآن قوة أخرى منافسة متحفزة مدعومة من أنقرة.
سيكون السؤال الأهم في الأيام القادمة من سيستولي على الباب من داعش، هل الاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني أو الجيش السوري الحر المدعوم من أنقرة؟
لقراءة نوايا أنقرة، فإن نوع الوحدات العسكرية التي تستخدمها في سوريا، وتحركاتها العسكرية يجب أن تُتابع بعناية. لا تنسوا أنه إن أرسلت أنقرة كتيبة كوماندوز إلى جرابلس، فإن ذلك سيعني أن تركيا ستبقى هناك إلى أجل غير مسمى. أما إن أرسلت لواء مشاة ميكانيكي على الحدود، فإن نية أنقرة ستكون التوسع غربا، وتطهير امتداد الحدود بالتوجه نحو إعزاز عبر مدينة الراعي. ولكن إن أرسلت لواء مدرعا إلى جانب لواء مشاة الميكانيكي، فسنعرف أن هدف أنقرة القادم هو الباب. ما أفهمه هو أن أنقرة ستحاول أولا استكمال سيطرتها الكاملة على منطقة جرابلس. إطالة أمد العملية ستمنح أنقرة مزيدا من الأوراق على طاولة المفاوضات. لذلك يمكن للمرء أن يتكهن بأن تركيا تعتزم البقاء في شمال سوريا على المدى الطويل.
في تلك الآونة سقط أول ضحايا الجيش التركي في درع الفرات مما يؤكد مخاوف الخبراء من قرب وقوع صدام بين الجيش التركي وحزب الاتحاد الديمقراطي. في ال27 من آب أصابت الميليشيات الكردية المتطرفة دبابتين تركيتين بصواريخ كورنيت روسية الصنع المضادة للدبابات، ما أسفر عن مقتل رقيب وإصابة ثلاثة جنود. رد الجيش التركي بقصف بنيران المدفعية والدبابات، وأرسل تعزيزات إلى جرابلس. وتقول التقارير الواردة من هناك إن تركيا واصلت القصف الجوي والمدفعي لأهداف لحزب الاتحاد الديمقراطي في الثامن والعشرين من آب.
ترك برس