“لماذا يختفي كل شيء جميل ألأننا في زمن الحرب؟ ” كلمة سمعتها من “سنا” شابة تحب الفن بأنواعه وتعشق التراث والحرف اليدوية، سمعت أن أكثر من 50مصنعا للخزف والزجاج لم يعد له وجود في المنطقة الشمالية من سوريا والعدد في تزايد.
الخزف أحد الحرف التي اتقنتها اليد السورية وبرعت فيها حتى باتت موهبة أدهشت العالم وقد تزايد الطلب عليها عالميا حتى غدت إحدى الدعامات الاقتصادية في البلد.
تعود أسباب انحسار هذه المهنة الى عوامل عدة، زادت منها الحرب وأثرت عليها بشكل كبير بالإضافة الى الأسباب الموجودة قبل الأزمة السورية.
في الأزمة السورية ارتفع سعر كل شيء وقد بات من الطبيعي ارتفاع سعر المواد الأولية لصناعة الخزف، يعد غلاء أسعارها وصعوبة إحضارها والحصول عليها من أبرز مشاكل المهنة، وعلى وجه الخصوص ارتفاع سعر المواد الزجاجية والسيراميك الذي يدخل كمادة أولية في صناعة الخزف بالإضافة الى الصلصال الطيني، حيث يمنح القطع نوعا من الصلابة واللمعان ما يزيد من جمالها ويعطي لها جمالية إضافية وحرية في التلوين والتزين.
ليس ارتفاع سعر المواد الأساسية التي تدخل في صناعتها هو المشكلة وحدها، بل ارتفاع سعر الوقود وفقدانه أحيانا يضاف الى الأسباب التي تحد من إنتاج الخزف الذي كان يوما يحتل مرتبة متقدمة في المعارض الدولية في هذه المجالات، فلم يقتصر وجودها على المعارض المحلية.
يقول أحمد أحد الخزفيين الهواة ” كنا نجيب المواد بسعر رخيص من الشام بس صعوبة الطريق وطول المدة فيه خلانا ما نقدر نجيبهم وسكرنا الدكان بعدما انقصف المستودع والمعمل وتكسر كل شيء فيه الله وكيلكن ما ضل عنا شي”
توقف الناس عن شراء الخزف كأدوات منزلية منذ زمن بعيد، واقتصر شراؤه على اعتباره فنا تطبيقيا يتبع للكماليات ويستخدم كقطع تزيينية ترفيهية في المجالس وخاصة المضافات العربية، إلا أن ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن السوري أدى الى تقليص الطلب عليه بنسبة كبيرة، وقد تحول الناس إلى شراء الأواني البلاستكية لأنها أقل كلفة وأيسر استخداما.. ويضاف الى كل تلك العوامل، توقف التصدير للخارج وتوقف كامل لقطاع السياحة الذي كان سببا برواجه عالميا في فترة ما قبل الأزمة.
صناعة الخزف الذي توقف كفن تشكيلي وتراث تقليدي، عاد بشكله الأولي ليلبي حاجة فرضتها الحرب، الفخار الذي يعتبر أحد أنواع الصناعة الخزفية، عاد وبشكل ملحوظ في الأسواق السورية لكنه اقتصر على أواني وقُرب تستخدم لتبريد المأكولات والماء في حر الصيف، ما يساعد في الحفاظ عليها لمدة أطول في ظل غياب الكهرباء وانقطاعها بشكل متواصل.
باتت هذه المهنة – على بساطتها- تعيل كثيرين من الناس في المناطق المحررة؛ فصناعة الفخار – كصناعة- تعتبر أقل كلفة من خزف الزجاج والسيراميك ولا يتطلب موادا تزيينيه، ففي الحال السورية بات المهم تدبير أمور الحياة الصعبة والتأقلم معها في ظل الحرب حسب متطلبات الوضع.
الخزف السوري أحد الأعمال الحرفية التي تدرج ضمن قائمة المهارات والحرف التقليدية، وهو فن تشكيلي له عشاقه ومحبوه في العالمين العربي والغربي، إذ دخل في تصميمات الديكورات الحديثة للمنازل خاصة في تركيا بعد ان انتقلت عشرات المعامل إلى الأراضي التركية حيث الأمان والتسهيلات والترويج الاقتصادي، بعد أن كانت صناعاتها حكرا على المضافات الشعبية والبيوت التراثية ومقتصرة عليها، لكن الجمال الهندسي رسما ودقة صناعتها فرض دخولها في كثير من الديكورات داخل وخارج سوريا ممن يهتمون بالتراث والانتيكا..
آية رضوان – المركز الصحفي السوري