عمل النظام منذ بداية الثورة السورية على ترغيب عناصر قواته بزيادة في الرواتب وزيادة حصصهم في الطعام والسماح لهم بإطالة شعر رؤوسهم وذقونهم وترك بعض المسروقات خلف الضباط والشبيحة كي يتورط العناصر بسرقتها، وذلك في سبيل عدم انشقاقهم والدخول في حرب ضد المدنيين الأحرار في الليل والنهار ما يشبه فيلم رعب طويل لن ينته .
ترك عشرات الآلاف من عناصر قوات النظام مواقعهم والتحقوا بصفوف المدنيين منذ بداية الثورة، في حين فضّل قسم آخر الجلوس في منازلهم وعدم القتال، في حين ترك بعضهم البلاد بشكل كلي نازحين مع أهلهم إلى دول خارجية .
بدأ فيلم الرعب بزج النظام للعناصر بشكل كبير في الصفوف الأولى وينعم الضباط والشبيحة في مكاتبهم وفي الخطوط الخلفية البعيدة عن أي خطر، بانتظار أولئك العناصر إما أن يموتوا وإما أن يقتلوا المدنيين أمامهم، ويبدأ الضباط والشبيحة بسرقة ما يصدفونه ليعود العناصر مضرجون بدمائهم فقد جرح وقتل منهم الكثير، وسط ازيز الرصاص وقرقعة المدفعية وهدير الطائرات، ليعود و يجتمع بهم قائدهم الضابط المقرب من النظام في استراحات الغداء ليضحك الضابط ظنا منه أنه يستطيع رفع معنويات العناصر الذين تلتوي رؤوسهم نحو الأسفل، فكل منهم يعلم أن كلام الضابط كذب وهو يعلم أنهم يعلمون أنه كاذب ليعود إلى مكتبه ويشرب المتة .
شهور وسنوات في الليل والنهار يقاتل عسكريو النظام في معارك يخطط لها في أروقة حزب الله وروسيا و إيران والتنفيذ على أبناء سوريا ضد أهاليهم في سوريا، فقد وضع النظام بإشراف إيراني خططا نفسية تضمن عدم انشقاق العناصر ومنها ترك الحرية لهم في الخدمة وزيادة رواتبهم للمحافظة عليهم وتركهم يعيثون فسادا ويتورطون بسرقات وجرائم وتناول الحبوب المخدرة .
وتبدأ المعاناة في صفوفهم في نقاط رباطهم في برد الشتاء وسط ظلام دامس ليس للنور مكان، هناك في الجبال والسهول فيما يزورهم الضابط المسؤول في يوم ذهبي تسطع فيه أشعة الشمس، وذلك لبضع سويعات و يغادر مبتسما إلى عائلته و يعود مسلسل العناصر المنسيين إلى مشاهده الكئيبة ويجلس كل منهم يفكر هل سيعيش غدا أم سيموت، و هل سيكفل النظام أهلي بعد موتي ويقنع نفسه بأن الموت بعيدا عنه، وذلك لفطرة الإنسان ليسقط العناصر قتلى واحدا تلو الآخر إلا أن النظام لديه خطة تشعر العسكريين أنه لم يمت إلا مئات فقط .
النظام في كل مجموعة وفي كل محافظة، يعمل على استبدال العناصر ونقلهم وبعثرتهم كي لا يبقى الصديق مع صديقه ويفكران سويا بطريق الانشقاق، فالعنصر يدرس طريق الهرب لمدة شهر وقبل إنهاء الدراسة يتم نقله إلى مكان آخر و إلى رفاق جدد ليموت خلفه بعض من رفاقه في السرية أو الكتيبة ولا يدري عنهم شيئا، و يتم نقله من معركة إلى أخرى و إن عصى الأوامر، فتهمته جاهزة ولا يرى النور بعدها .
كابوس وليس فيلم رعب، هذا الذي يعيشه عناصر قوات النظام وأن تقتل مئات المرات خيرا من أن ترى الموت يقترب منك و يبتعد ويعود يقترب ويبتعد على مدى ثماني سنوات متتالية، ويحن لأهله بين كل رعب و رعب وتدور في مخيلته زوايا البيت وشوارع الحي وطريق المدرسة ودكان الحارة .
المركز الصحفي السوري