يستعد الحوثيون لإحياء واحدة من مناسباتهم المثيرة للجدل في المجتمع اليمني، حيث ظهرت صنعاء عاصمة بمرجعية إيرانية واكتست شوارعها بالآلاف من اللافتات والشعارات إيذانا بموعد عيد الغدير الذي كان إحياؤه بشكل علني محظورا في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وتأتي هذه المناسبة، التي تصادف الثامن عشر من ذي الحجة، في ظل توترات غير مسبوقة تشهدها صنعاء بين الحوثيين وحليفهم المؤتمر الشعبي العام والتي ترتكز حول عدة قضايا في مقدمتها سعي الجماعة الحوثية لتغيير البنية المذهبية والعقائدية في اليمن والتي سادها التعايش على مدى قرون طويلة بين المذهبين الرئيسيين في البلاد الشافعي والزيدي.
وتتهم الكثير من الأطراف اليمنية الحوثيين بالعبث بعوامل التعايش في المجتمع اليمني وفرض طقوس واحتفالات مستوردة من إيران ومحاولة صبغها بطابع ديني يخدم سياسة الأمر الواقع التي يعمل المتمردون على تكريسها.
وتبادل ناشطون يمنيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي العشرات من صور الشعارات واللافتات التي عمّت شوارع صنعاء في ذكرى ما يوصف بـ”يوم الولاية” والذي يعتبره بعض المراقبين محاولة صريحة لتأصيل ثقافة الإقصاء التي انتهجها الحوثيون منذ انقلابهم في سبتمبر 2014 وتقديم أنفسهم كخيار إلهي وليس طرفا سياسيا.
ويرى الكاتب والسياسي اليمني علي البخيتي أن تأثير إيران على جماعة الحوثي كبير جداً، وبالأخص من الناحية الثقافية والفكرية، إضافة إلى الشعارات السياسية، فالحركة وقائدها يقومان بتقليد المدرسة الإيرانية في كل شيء، حتى أثناء الخطابة، حيث نلاحظ أن عبدالملك الحوثي زعيم “أنصار الله” يجتهد ليقلد أمين عام حزب الله حسن نصرالله.
ويقول البخيتي وهو قيادي حوثي سابق في تصريح لـ”العرب” إن “التأثير الإيراني يبدو للوهلة الأولى من شعار الحوثيين، أو ما يسمى عندهم ‘الصرخة’، فهي مستنسخة حرفياً من شعارات ثورة الخميني، كما أن ألوان الصرخة عند كتابتها هي نفسها ألوان العلم الإيراني”.
ويشير إلى أن التأثير الإيراني امتد إلى الضريح الذي بناه الحوثيون لمؤسس الحركة بدرالدين الحوثي، حيث أنه نسخة من أضرحة قُم ومشهد في إيران، وظهر نشازا في صعدة ولا صلة له بالفن المعماري للأضرحة الزيدية المعروفة منذ قرون طويلة والمطابقة للفن المعماري اليمني.
وعن التأثير الإيراني على الخطاب السياسي الحوثي ومفرداته يضيف البخيتي أن الحوثيين يستنسخونه من الخطاب السياسي الإيراني وما يصدر من وسائل إعلام حزب الله اللبناني، محذرا من “ضياع الهوية اليمنية في مجالات كثيرة إذا ما استمرت الحركة الحوثية في ترسيخ تلك الثقافة المستوردة في المناطق التي تحت سيطرتها”.
واعتبر المحلل السياسي اليمني فيصل المجيدي أن انتشار المظاهر الإيرانية من قبل الحوثيين يؤكد أن منهج الجماعة متصل تماما بأجندة المموّل والمخطّط لاستيلائهم على السلطة في صنعاء والمناطق الواقعة تحت أيديهم.
ويلفت المجيدي إلى أن الحوثيين لم يعودوا يخشون أن يصفهم أحد بالارتهان لإيران، وهي بالمثل تعتبر أن الحوثيين أخلص لها من كل أذرعها في المنطقة فهم يقدّمون خدمة مجانية لها بنشر شعاراتها وأفكارها ويتدرّجون في فرض تلك الأفكار في المناهج الدراسية.
وتعددت صور ومظاهر الجهود الحوثية لتغيير المعالم الثقافية والعقائدية في العاصمة اليمنية وبقية المدن التي ما تزال تحت سيطرتهم، ومن ذلك انتشار الشعارات الإيرانية المستوردة على صعيدي الشكل والمحتوى.
وشهد تحالف الحوثيين وصالح خلافات عاصفة خرجت للعلن على خلفية رفض حزب صالح للخطوات المتسارعة التي أقدم عليها الحوثيون في الآونة الأخيرة وتركّزت حول تغيير المناهج التعليمية وإعطائها طابعا طائفيا مستلهما من شعارات الثورة الإيرانية وصولا إلى تغيير تركيبة الجيش اليمني وتحويله إلى جيش عقائدي على غرار الحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله.
ويحرص الحوثيون على الاحتفال بمناسبات إيرانية المنشأ لم يعرفها اليمنيون من قبل، بعضها ديني والآخر سياسي مثل “عاشوراء” و”يوم القدس العالمي” و”يوم الولاية” والعديد من الفعاليات الأخرى التي عادة ما تثير موجة من الجدل والصدامات في الشارع اليمني، وتترافق مع مظاهر وطقوس غير معهودة في اليمن.
ويقول مدير المرصد الإعلامي اليمني همدان العليي في تصريح لـ”العرب” إن استراتيجية الحوثيين الرامية لتطييف المجتمع اليمني و”حوثثته” حتى يكون نسخة من فكرهم المستورد تجري على قدم وساق، وإن عملية نشر اللافتات التي تتحدث عن تفاصيل دينية مثل “الولاية” لم تكن موجودة في المجتمع اليمني من قبل وهي تتم الآن وفق عملية ممنهجة وقد تنجح إذا لم توجد جهود حقيقية لمواجهة هذه الإجراءات.
وأوضح العليي أن هناك عدة مظاهر ينشط فيها الحوثيون من أجل تحقيق أهدافهم الطائفية ومنها استخدام المنابر في المساجد والمنصّات الثقافية وتغيير عقيدة الجيش وتغيير المناهج الدراسية والتأثير في التعليم الجامعي.
صحيفة العرب