كتب فريد زكريا، الكاتب الأميركي الشهير، مقالا بداية هذا الشهر، ينتقد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن سياستها في سورية. لكن نظرة ثانية على المقال توضح أنّه لا يدافع عن هذه السياسة وحسب، بل هو أيضاً يدعو العالم إلى الاستمرار على موقفه الحالي، أو على الأقل يقول: لا تنتظروا حلاً عالمياً. وعمليا، فإنّ الموقف في سورية بات حالة تقاعس عالمي عن مواجهة التحدي هناك، رغم أن آثار الحدث تتفاقم؛ سواء على صعيد استمرار تدفق اللاجئين، أو تصدير العنف وعدم الاستقرار للخارج، بدءا من ليبيا وصولاً إلى استهداف الأردن، كما حصل في هجوم “الركبان” أمس قرب الحدود الأردنية-السورية ومخيم اللاجئين السوريين هناك.
في مقال زكريا سالف الذكر، المنشور في “واشنطن بوست”، جاء أنّ أزمة اللاجئين والضحايا في سورية قد تبرر بالنسبة للبعض تدخلا أميركيا عسكريا مباشرا وأكبر هناك. لكنه يرفض ذلك، ويقول إنّ انتقاد أوباما والولايات المتحدة يجب أن يكون بسبب عدم مساعدة اللاجئين بشكل أكبر، وعدم استقبال المزيد منهم في الولايات المتحدة. ويبرر رفض التدخل بالقول إنّ الدعوات لهذا الدور الأميركي العسكري “يفترض أنّ لدينا شريكا محليا للعمل معه، والأهم من هذا، أنّ هناك نظاما سياسيا يمكننا المساعدة في تشكيله، ويحظى بشرعية في عيون السوريين”، ويضيف أنّه “من دون هذه المكونات سيتحول الأمر إلى فوضى واحتلال استعماري”.
ما يقوله زكريا، إذن، وهو يعكس إلى حد ما محصلة موقف الإدارة الأميركية، أنّه لا يمكن التدخل بحسم وخارج إطار المساعدات الإنسانية، لمعالجة آثار النزف وليس لوقفه. وهذا ربما ليس موقف جميع المسؤولين الأميركيين، فعلى سبيل المثال، أرسل 51 دبلوماسيّاً أميركياً رسالة مؤخراً يطالبون بسياسة أميركية أكثر تدخلية في سورية. وبحسب “نيويورك تايمز”، طالب الدبلوماسيون “بضربات ضد حكومة الرئيس بشار الأسد ليوقف الخرق المستمر لوقف إطلاق النار”. وجاء الرد الروسي ناقداً للعريضة مطالبا بالتقيد بقرارات مجلس الأمن في الشأن السوري.
الواقع أنّ الطرح الروسي حتى لو جاء لغرض سياسي هو استمرار نظام بشار الأسد وحمايته، فإنّه أيضاً، في الحقيقة، يضع يده على علة رئيسة، شأنه شأن طرح فريد زكريا.
لقد حاولت الولايات المتحدة ممارسة الأحادية القطبية بعد نهاية الحرب الباردة. وكان فشل الجيش الأميركي في حفظ الأمن في الصومال مطلع التسعينيات، سببا في التراجع الأميركي عن لعب دور الشرطي العالمي، في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون. ثم جاءت إدارة الرئيس جورج بوش الابن وأرادت استخدام القوة المفرطة في ضمان التفوق والمصالح الأميركية في العالم، كما رأينا في العراق. ثم جاء أوباما مرتداً على ذلك، ومتحفظاً على التدخل في كثير من مناطق العالم. لقد كان هناك تنظير يتحدث عن “استقرار الهيمنة”، بالقول إنّ لعب الولايات المتحدة دور المهيمن في العالم يؤدي لأن تتدخل لحفظ الأمن، وبالتالي تعوض أو تلغي الحاجة للأمم المتحدة ولحلول عالمية.
ما يحدث في سورية يوضح أنّ فكرة إدارة الصراع (كما في مفاوضات جنيف السورية)، أو الإغاثة الإنسانية للاجئين، لا تكفيان، وأنّ الانحياز لطرف ما في الصراع قد لا يكون ممكناً أو مفيداً أحياناً.
لا أحد يريد تطبيق صيغ مثل “الأمن الجماعي” في سورية، بوضع تصور إقليمي ودولي محايد، لوقف المذابح هناك. إنّ عدم إصلاح الأمم المتحدة (وللولايات المتحدة دور مهم في إعاقة الإصلاح)، وعدم فعالية الأجهزة الإقليمية (مثل جامعة الدول العربية)، يجعلان استمرار الصراع طويلاً، لأنّه يترك الأمر للتجاذبات الميدانية ولإرادة فواعل عديدة غير مهتمة بالاستقرار، بقدر ما تسعى إلى تحقيق مكاسب أو الحفاظ عليها.
هذه معضلة تواجه العالم في أماكن مختلفة، ولكن في الحالة السورية، يمكن والأصل أن تبادر جامعة الدول العربية، لتشكيل لجنة لوضع معالم الحل في سورية، ثم العمل على فرضه بعد حشد الدعم الدولي الحاسم له، في الأمم المتحدة والعواصم الكبرى، وميدانياً، من دون أن يكون مطلوباً من كل فئة ودولة أن تخوض معركتها مع ما تفرزه المأساة السورية بشكل منفرد، وأن يُترك السوريون لمأساتهم.
الغد الأردنية