تتلاشى فرص أي تسوية مع اقتراب المفاوضات المزمع عقدها في جنيف بين وفدي المعارضة والنظام أواخر هذا الشهر، وليس ذلك تشاؤما، إذ يشير الواقع الميداني لهذه الحقيقة، ويدلل على ذلك التصعيد العسكري العنيف للطيران الروسي الذي تجاوز دوره الحفاظ على الأسد من الانهيار للرغبة بتعطيل الحلِّ السياسي.
ويدرك المتتبع للوضع الميداني السوري أنَّ الدور الإيراني أصبح ثانويّا منذ استدعاء بشار الأسد لموسكو، إذ تحول بشار الأسد لمجرد بيدق بالمملكة الروسية بعد أن رهن سورية للروس، واستلمَ الروس الملف السوري كاملاً، ويتوهم من يعتقد أنَّه بقي لإيران دور ما خارج الإرادة الروسيّة.
تؤكد الحقيقة السابقة استحالة أيَّ حل سياسي دون الموافقة الروسيّة التي يبدو أنها ما زالت بعيدة جداً عن مصطلح الحل السياسي ولا سيما أنَّ التدخل الروسي أخذ منحى العربدة العسكرية والسياسية معا، عربدة تشبه تلك التي تمارسها بالقرم وأوكرانيا.
إذ يركز الروس حاليا على محاولة شيطنة المعارضة السورية السياسية والعسكريّة معا، وليس أدل على ذلك من تصريح وزير الخارجية لافروف الرافض لجلوس أحرار الشام وجيش الإسلام على طاولة المفاوضات باعتبارهما تنظيمين إرهابيين، وتجاوز الرفض لعمل ميداني على الأرض تمثل باغتيال الشيخ زهران علوش، كماعملت روسيا جاهدة على خلط الأوراق، وتعطيل مخرجات مؤتمر الرياض بالطلب من دي ميستورا تشكيل وفد المعارضة السورية وفق المقاس الروسي.
وتجاوز الروس شيطنة المعارضة السورية الحقيقية إلى صناعة معارضة سورية على مقاسهم تشبه تلك في شرق أوكرانيا، فعقدت عدة مؤتمرات لها في موسكو، وفتحت لهم الكرملين، ووجد الروس ضالتهم في شخصيات محسوبة على النظام لا المعارضة السورية يعرفها السوريون جيدا بولائها للنظام، واصطاد الروس بالماء العكر ونجحوا بعقد زواج متعة بين هذه المعارضة وقوات الحماية الكردية، ووفروا لها دعما عسكريا وغطاء جويا مكنها من الوصول لمشارف أعزاز وتهديد الثوار، وجعلها تطلب عبر هيثم مناع من الأمين العام للأمم المتحدة أنَّ يكون لها مكان على مقاعد المفاوضات في جنيف باعتبار أنها تسيطر على مساحة من الأرض متجاهلة أنّ العبرة ليست بالسيطرة فتنظيم الدولة يسيطر على أكثر من 50%.
ولا يقتصر الدور الكردي وفق المعادلة الروسية على تعويم نظام الأسد، وتحقيق مصالح روسيا المستقبليّة فحسب بل تطور لحدٍّ يشكل تهديدا للأمن القومي التركي، وما سبق يوضح أنَّ الروس يريدون التحكم بخيوط اللعبة السورية كاملة أي يريدون السيطرة على المعارضة بعد أنْ أحكمت خيوطها على النظام السوري.
كان يمكن للروس أن ينجحوا في مسعاهم لو أنهم استطاعوا تحصيل خرق ما في المعارضة السورية الحقيقية التي أدارت ظهرها للروس نتيجة عدم وجود نقطة يمكن الالتقاء عندها، واصطدم الروس بنجاح مؤتمر الرياض الذي اكتسب نوعا من الشرعيّة الثورية بعد أنَّ ضمَّ لصفوفه قوًى ثورية لها ثقلها الشعبي والعسكري على الأرض.
فالمعادلة لم تعد نظاما مستبدا ومعارضة وطنية، إذ تحولت لصراع بين محتل روسي تمكن من تجنيد فئة باعت نفسها للشيطان على حساب وطنها، وبين مقاومة وطنية تسعى للاستقلال الوطني، فالنظام السوري بالمعنى الحقيقي خارج المعادلة، وكما قال السيد رياض حجاب بأنَّ نظام الأسد فاقد السيادة لا يملك أيَّ مقومات لإجراء المفاوضات، إذ لا يسيطر إلا على 18%، وجميع الطرق التي تصل سورية بدول الجوار خارج تحكم نظام الأسد، ومعظم المعابر الحدودية خارج سيطرته.
وبالتالي فإنَّ المفاوضات ينبغي أن تجري مع الروس الذين يديرون سورية لا النظام الذي لا يملك من أمره شيئاً، ولا نرسم هنا صورة وردية للمعارضة السورية لكنها على الأقل وإن استعانت بالخارج فإنها تمثل حركة تحرر وطني، وتمثل رغبات الغالبية الساحقة من السوريين.
نختم بالتأكيد على عبثية مفاوضات جنيف وفق الوضع الراهن، إذ لا يمكن بمن لا يملك شيئا أن يملك مفاتيح الحل، كما لا يمكن للروس أن يوافقوا على حل لا يحقق مصالحهم طالما أنهم ينتصرون وغيرهم يدفع فاتورة الدم، وعليه يجب إجبار الروس على مراجعة حساباتهم، ولن يتمّ ذلك إلا بتغيير الواقع الميداني، وتوجيه ضربات موجعة للروس تفهم روسيا من خلالها أنَّ الساحة السورية ليست ميداناً يتدرب فيه الروس.
وعند تلقي الروس تلك الضربات سنراهم يحزمون أمتعتهم بلا رجعة، فالأسد يأتي في ذيل الاعتبارات عندهم، وشأنه شأن ميليشيا جيش لبنان الجنوبي بالنسبة لإسرائيل، أي ينحصر دوره في خدمة الدب الروسي الذي سيتركه لمزبلة التاريخ لا محالة.
عربي 21