استعمل السوريون الحلول البديلة عن المستلزمات الأساسية في الحياة، فعندما شحت مصادر الوقود وارتفعت أسعارها، وانقطاع الكهرباء، كان لابد أن تظهر وسائل تدفئة تقي الأطفال برد الشتاء، وتنير ظلمة الليل، فمنها قطع الحطب واستخدامه للتدفئة، والمولدات الكهربائية الكبيرة للإنارة (الأمبيرات)، لكنهما حلتا بالفائدة من جهة، وبالكارثة من جهة أخرى، لأنها تساهم بالتلوث البيئي واختلال توازنه.
أبو محمد من مدينة إدلب يقول:” بما أن الحطب وسيلة يشتريها المواطن لينشر الدفء بمنزله، ولا رقابة أمنية على بائعيه من أين اقتطعوه أو ما هو سعر بيعه، في كل يوم أذهب صباحاً إلى الأراضي الزراعية المحيطة بمدينتي، واقطع كمية لابأس بها من الحطب من أشجار متفرقة(السرو، الصنوبر)، ثم أبيع كل 1 كيلو منه بسعر 35 ل.س، وبذلك يكون الحطب وسيلة توفير اقتصادي للمواطن إذا ما قورنت بأسعار المحروقات”.
إن الأمر لا يتوقف على أبي محمد فقط، فكثير من أمثاله اعتبروها مهنة يؤمنون بها رزق عيشهم، متناسين بعملهم ذاك أن الأشجار رئة البيئة التي بخضرة أوراقها تنشر غاز الأوكسجين المستنشق من قبل الأفراد أثناء عملية الشهيق، وتسحب غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يفرزه الإنسان خلال عملية الزفير والمعتبر غازاً ساماً، هذا غير المشكلة الأكبر نتيجة إشعال الحطب بمعظم منازل السكان ووضع مواد بلاستيكية كالإطارات المطاطية للسيارات وأقمشة ملابس مع بقايا الطعام بينه، فينتشر الدخان الكثيف منه في الهواء، مما يؤدي لانتشار الأمراض وخصوصاً التنفسية.
ناهيك عن الدخان الصادر من فوهات مداخن المولدات الكبيرة الكهربائية الموزعة داخل الأحياء السكنية، حيث ينشر غازات سامة نتيجة اشتعال مواد المحروقات كالمازوت غير المكرر.
يبين عميد كلية الزراعة التطبيقية الدكتور ياسين الزعبي، أن “المادة التي تنتج عن حرق الحطب والذي يعرف بالرماد أو السكن يحصّن الخواص الفيزيائية للتربة وليس الخواص الكيميائية والتي تعد مفيدة لمخزون التربة والتهوية وتؤثر إيجاباً على المحاصيل الزراعية والأشجار ولكن لا تسد عن الأسمدة الكيميائية”.
ويضيف: “تبقى الأضرار المستقبلية لتلك الوسائل ذو وقع أكبر من فائدتها الآنية، لأن احتراقها ضمن البيوت ينتج عنه غاز أول اكسيد الكربون وهو ما ينجم عنه الاختناق السريع والوفاة في بعض الحالات، فضلاً عن أن تلك المواد تصبح مسرطنة إذا ما تم استخدامها بشكل متواصل، وبحال عدم وجود فتحات تهوية كبيرة في المنازل يحذر الدكتور عماد حسني أخصائي أمراض الصدرية من “زيادة معاناة مرضى الربو والداء الرئوي الانسدادي المزمن أثناء استنشاقهم لرائحة الدخان المتصاعد”.
أخيراً ليس آخراً، إذا استمر الوضع على هذا الحال بدون تنظيم، لم يعد بإمكان مدينة إدلب الخضراء أن تحافظ على لقبها ذاك، فجميع الأطراف المتنازعة، بداية من قطع النظام مئات أشجار الزيتون خلال فترة تواجده، وصولاً إلى الشعب ذاته، ساهمت بسلب الصفاء من سماء تلك المدينة.
محار الحسن