اتخذت الأزمة السياسية بلبنان منعطفا مثيرا باقتراح قد يشغل بموجبه صديق لبشار الأسد مقعد الرئاسة، في اتفاق لتقاسم السلطة يهدف لبعث الحياة في هذا البلد الذي يضربه الشلل.
ففكرة أن يصبح سليمان فرنجية، صديق الأسد منذ الطفولة، رئيسا للبنان، أدهشت الكثير من اللبنانيين، لأسباب ليس أقلها أن صاحب الاقتراح هو سعد الحريري، السياسي السني الذي يقود تيارا تشكل من طيف معارض للأسد. وبموجب مثل هذا الاتفاق سيصبح الحريري رئيسا للحكومة.
وهي فكرة مذهلة أيضا؛ لأن وضعها موضع التنفيذ سيحتاج لموافقة السعودية وإيران، وهما البلدان اللذان يحظيان بنفوذ قاطع على الأطراف اللبنانية المتنافسة، بالإضافة إلى الصراع بينهما في مناطق أخرى في بلدان أخرى بينها سوريا.
ومع تصاعد الحرب في سوريا، حيث تزيد كل من إيران والسعودية الدعم للأسد ومعارضيه، لا يبدو مرجحا أن يبعث أي اتفاق في لبنان بإشارات عن تفاهم أشمل لتسوية الصراعات الإقليمية.
لكن اتفاقا كهذا من شأنه أن يشير إلى نية للحفاظ على حد أدنى من الاستقرار في لبنان. وقد تجنب لبنان حربا أهلية أبدى البعض خشيته من اندلاعها، إذ تأثر بالحرب السورية التي أدت إلى وقوع تفجيرات. واستقبل لبنان مليون لاجئ سوري عبروا حدوده، ما غذى أزمة سياسية تشهدها البلاد.
ولبنان بلا رئيس منذ 18 شهرا، وتجد حكومة الوحدة التي يقودها رئيس الوزراء تمام سلام صعوبة في إدارة أمور البلاد. ويمثل اقتراح الحريري أكثر المحاولات جدية لإنهاء الجمود السياسي.
وقال علي أكبر ولايتي، المستشار البارز للزعيم الإيراني الأعلى والذي زار بيروت الاثنين، بعد اجتماعه مع سلام، إن الأمل في انتخاب رئيس قد كبر.
ونقل بيان من مكتب سلام عن ولايتي القول: “نأمل في أن نشهد في القريب العاجل اختيار وانتخاب رئيس للجمهورية”.
لكن تعيين فرنجية يواجه تحديات كبيرة، بينها رفض سياسيين اتحدوا ضد النفوذ السوري في لبنان، ويتطلب الحصول على موافقة زعماء يتطلعون بدورهم للمنصب المخصص لمسيحي ماروني. وأبرز هؤلاء ميشال عون وسمير جعجع.
وإذا فشل الاقتراح، فإن محللين يعتقدون أن فرص تحقيق تسوية ستقل أكثر، وهو ما يعني أن لا نهاية وشيكة لأزمة الحكومة التي استحكمت في الأشهر الماضية، وتراكمت بسببها القمامة في الشوارع، ولم تدفع فيها رواتب الجيش.
خلافات داخل الطيف المسيحي
ورغم أن الحريري لم يعلن عن المقترح، فإنه تردد في لبنان، وأكدته مصادر سياسية. وسبق لفرنجية القول إن اقتراح تعيينه رئيسا هو اقتراح جاد، لكنه غير رسمي. ويتوقع أن تشمل الصفقة اتفاقا على ترتيبات لإجراء انتخابات برلمانية جديدة.
ويحتاج أي اتفاق لتقاسم السلطة لموافقة المعسكرين الرئيسيين في لبنان، وهما تحالف 8 آذار التي يهيمن عليه حزب الله الشيعي المدعوم من إيران، وتحالف 14 آذار الذي يقوده الحريري.
وأصعب جزء هنا سيكون الحصول على تأييد المسيحيين في الجانبين. وجعجع وعون هما المرشحان الرسميان للتحالفين المتنافسين، ومن شأن تولي فرنجية المنصب أن يفاقم الخلافات التاريخية داخل الطيف المسيحي.
وأعلن حزب الله مرارا دعمه لترشيح عون (80 عاما)، حليفه منذ العام 2006، ورئيس أكبر كتلة مسيحية في البرلمان. غير أن فرنجية الذي تربطه علاقات أقدم بكثير مع حزب الله؛ قد يكون خيارا مفضلا للحزب، في الوقت الذي يشن فيه حربا في سوريا دعما للأسد.
لكن الحريري بدعمه فرنجية؛ يخاطر بتفكيك تحالف 14 آذار الذي تشكل قبل نحو عشر سنوات بدافع من المعارضة لسوريا في أعقاب اغتيال والده رفيق الحريري.
وقال المعلق السياسي نبيل بومنصف: “من لديهم رأي إيجابي تجاه هذه التسوية يعتقدون أن مع وجود رئيس كسليمان فرنجية يطمئن ويشكل ضمانة لفريق 8 آذار وحزب الله، وفي المقابل فإن وجود (سعد) الحريري في السرايا رئيسا للحكومة يشكل ضمانة للفريق الآخر. وهذا أمر يجري تسويقه الآن في الكواليس”.
وأضاف قوله: “حصلت أضرار كبيرة جدا، خصوصا داخل معسكر 14 آذار أكثر من فريق 8 آذار (سليمان فرنجية) الحليف الأول والأكثر وضوحا والأكثر ثباتا للنظام السوري في لبنان”.
وتعود علاقات فرنجية بأسرة الأسد إلى طفولته، عندما كان جده الرئيس الراحل سليمان فرنجية يصطحبه في رحلات إلى دمشق لزيارة صديقه الرئيس الراحل حافظ الأسد. واعتاد فرنجية على القيام برحلات الصيد مع باسل الأسد، الشقيق الأكبر لبشار الأسد، الذي توفي في حادث سيارة في 1994.
وتيتم فرنجية في 1978، عندما هاجمت مليشيا مسيحية منزل عائلته في شمال لبنان، فقتلت أباه وأمه وأخته. واتهم جعجع بالمسؤولية عن الهجوم الذي وقع إبان الحرب الأهلية، لكنه نفى المشاركة فيه.
وبرز فرنجية (50 عاما) في الفترة التي هيمن فيها النظام السوري على لبنان، عقب الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990، وعمل وزيرا بالحكومة عدة مرات. وانتهى ذلك العهد بانسحاب القوات السورية من لبنان في 2005، عقب انتقادات دولية بسبب اغتيال رفيق الحريري. وكان فرنجية وزيرا للداخلية في ذلك الحين.
وارتدى سعد الحريري (45 عاما) عباءة أقوى السياسيين السنة نفوذا في لبنان عقب مقتل والده. وغادر لبنان في 2011 بعدما أطاح تحالف 8 آذار بحكومته. ولم يعد إلى لبنان إلا في زيارتين قصيرتين منذ ذلك الحين.
وقال بطرس حرب، وهو سياسي من تحالف 14 آذار يطمح للرئاسة، إنه ليست لديه أي مشكلة شخصية مع فرنجية. غير أنه تساءل على تويتر: “لكن هل سيجلب معه بشار الأسد إلى قصر بعبدا؟ أم سيتعاطى كرئيس لكل اللبنانيين؟”. وبعبدا هو قصر الرئاسة اللبناني.
وتحدث أحمد الحريري، ابن عم سعد الحريري والشخصية البارزة في تيار المستقبل، الأسبوع الماضي، حيث نقلت عنه جريدة المستقبل المملوكة للحريري قوله إن الخيار الوحيد للبنانيين هو “الذهاب إلى تسوية شجاعة، تعطل مفاعيل التعطيل الذي تحول إلى قنبلة موقوتة ستنفجر بنا في أي لحظة، بدلا من أن نبقى نتفرج على بلدنا وهو ينهار، وعلى ناسنا وهي تموت في البحار أو على أبواب المستشفيات، وعلى النفايات وهي تملأ الطرق”.
ومن المؤكد أن ترشيح فرنجية سيلقى ترحيبا من رئيس البرلمان نبيه بري، زعيم حركة أمل الشيعية والحليف القوي لحزب الله، الذي لا تخفى عن أحد علاقته المتوترة مع عون.
وقال سياسي بارز في تحالف 8 آذار إن فرنجية يسعى لكسب تأييد السياسيين الموارنة الآخرين. وقال: “قلب سعد الحريري كل الأوراق بإعلان تأييده المرشح الأقرب إلى الرئيس بشار الأسد وحزب الله، ورمى الكرة إلى ملعب الآخرين”.
وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس تيار المردة، سليمان فرنجيه، إن فرنجيه عقد “لقاء وديا” مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل -صهر عون- مساء الأحد. وأضاف البيان أن فرنجيه أكد خلال اللقاء “استمراره بدعم ترشيح العماد عون، ومنح الموضوع مزيدا من الوقت إذا كانت هناك من نية فعلية بالتوافق حول العماد عون، أما إذا استمر الترشيح فقط لتعطيل ترشيح فرنجية فهذا موضوع آخر”.
عربي21