لقد غدا مصطلح الكارثة الانسانية في وطننا، التوصيف الأكثر دقة لما نعيشه الآن في سوريا. فالأوضاع السائدة لم تعد مجرد انعكاسات لصراع ظهرت نتائجه السلبية على جميع الأصعدة والقطاعات منذ أربع سنوات، وإنما أصبح الوضع الراهن مأساة يعيشها السوريين، وواقعاً يومياً يفرز ثقافة جديدة ومعطيات متغيرة سواء وجدوا خارج أو داخل سورية، وللأسف أطفال الوطن هم الأكثر تأثراً؛ فأغلبهم يعاني من فقدان الحقوق حتى أبسطها وهو اللعب، يجابهون الموت في كل لحظة، جراء قصف النظام بصواريخه المدمرة.
“يزن” طفل (7سنوات)من ريف إدلب منعه الخوف من طيران النظام للذهاب إلى المدرسة، لكن مع غياب الوسائل الترفيهية كالتلفاز وألعاب النت بسبب انقطاع التيار الكهربائي المتواصل وشعوره بالملل؛ كون الأطفال شعلة من النشاط والحيوية، قرر أن يلعب مع أولاد الجيران بالكرة لعله يكسر حاجز الملل والعزلة “تقول أم يزن كنت أراقب طفلي مع أولاد الجيران من نافذة المطبخ -المطل للشارع- وهم يلعبون كانت ضحكاتهم تفرح قلبي الحزين وتملأ صدري سعادة آه.. كانت أيامنا أكثر فرحاً من أيامهم.
لم أفرع بعد من غسل الصحون حين سمعت صوت طائرة – قيل فيما بعد أنها روسية – تحلق بعد انتهائها من رمي صواريخ الموت وماهي إلا لحظات علا فيها صوت الانفجار وكانت أتعس اللحظات على قلبي لقد فارق طفلي الحياة، وسادت العتمة في منزلي وإن أشعلت كل مصابيحه”..أم يزن ليست الوحيدة التي فقدت طفلها.. مثلها الكثيرات من أمهات سورية اللواتي فقدن فلذة أكبادهن، كان الله في عونهن.
كما تكشف جارتها أم بلال عن حزنها العميق لدى فقدان ابنها ساقه اليمنى جراء اصابته بإحدى الشظايا المتناثرة “لم أكن أوفر حظاً من أم يزن فمشاهدتي اليومية لطفل يعتصر قلبه ألماً على ساقه المبتورة جعلني – تتساقط دوعها على وجنتيها- أتمنى الموت في كل ساعة”.
يقول أبو عبدو (35عاماً) معلم متقاعد وصاحب مكتبة في الحي ” كنت أشاهد الأطفال وهم يهربون لدى سماعهم أصوات الطيران والقصف وأشعر بمدى خوفهم لرؤية المصابين والقتلى أمام أعينهم حيث يزداد الشعور لديهم بالاكتئاب والخوف من الخروج من المنزل، والتشاؤم من المستقبل “.
مضت شهور عدة واقترب العيد.. وأي عيد.. والكل في الوطن يعاني.. دمدم بلال “يا الله بعد يومين رح يجي العيد ورح البس ثياب العيد وخبي قدمي المبتورة، وحاول أكتفي بالنظر لرفقاتي من بعيد.. وأنا عمشوفن عم يلعبوا بالكره , يا لله.. كيف رح أتنقل من بيت عمي لبيت خالي وهنيهم بالعيد.. كيف رح ساعد بابا بس أكبر وخفف عنه عناء المعيشة “.
لقد انعكست الحرب في سوريا سلباً على أطفالنا وخلقت لديهم ردّات فعل نفسية مؤلمة تحد من قدرتهم على العيش، ضاعت أحلامهم بغد مشرق وسرقت ضحكاتهم المستقبلية، لكن نأمل بعون الله أن تتحسن الأوضاع وتستمر الحياة رغم الألم.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد