خمس سنين دامية من الحرب والدمار والنزوح يحاول أطفال سوريا أن يجمعوا بين المتناقضات كلها واختصارها بابتسامة براءة بين لعب وضحك عكست الحزن والألم.. براعم أمل شاهدت الرعب بكل ما تعنيه الكلمة، فقدوا أبسط حقوقهم، فعندما يتحدث العالم عنهم يكتفي بحصر احتياجاتهم في توفير مأوىً وغذاء، دون التطرق للمعاناة التي يعيشها هؤلاء الأطفال، الذين لم يبقَ في مخيلتهم غير مشاهد الموت والدمار.
جسدها النحيل وعيناها الخضراوتان هما من كشفا قصة الآلام والدمل في روح “نغم” (15سنة)، سلبت منها الحرب كامل أسرتها، سرقت منها كل أحبتها، لكن إصرارها كفيل ببث الأمل في النفوس خاصة أنها جالسة على كرسي متنقل.. سردت نغم قصتها والدموع تملأ عينيها، لكن الابتسامة رافقتها طيلة حديثها.
“اعتدنا يوم الجمعة ع الذهاب للمزرعة؛ لنسيان صوت الطائرات ودوي المدافع، صعدنا سيارة والدي كالمعتاد، وقررنا السير متجهين للمرح، لكن لم نكن نعلم أن القدر كتب لنا ميتةً كهذه.. ما إن أشغل والدي السيارة وإذ بصوت هز أرجاء المدينة لم أتخيل -ولو للحظة – أن صاروخا غادرا جاء ليأخذ مني فرحتي بالحياة .
نغم الابنة الوحيدة التي صارعت الموت لكنها انتصرت وبقيت على قيد الحياة، رغم أنها كانت في السيارة نفسها مع عائلتها، لكنها لم تنج من آثار سلبية لهذا الصراع، إذ إنها الآن تعانى من اضطرابات نفسية مزمنة.. يذكر ممثل منظمة “أكتد” للدعم الإنساني والتعاون الفني “برتراند غالي” للجزيرة نت أن الأطفال هم الضحايا الرئيسون في هذه الأزمة المستمرة، وغالبا ما يعيشون في ظروف صعبة للغاية، مع محدودية فرص الوصول إلى المدارس والأماكن الآمنة للأطفال.
أكثر مَن تضرر من هذه الحرب الطاحنة هم الأطفال، الذين من المفترض أن تقع على عاتقهم مسؤولية إعادة إعمار هذه البلد والارتقاء بها، بعد انتهاء شبح الحرب الدائرة حاليا، هم أكثــر من طالتهم أضرار الحرب ورعبهـا بصواريخها وطائراتها ودمائها وأشلائهـا، دونك عن فقدان الأمن والتشرد واليتم، في انتهاك غير مسبـوق لكـل معاييــر الإنسـانيـة..
تابعت نغم حديثها بعد أن أخذت نفسا عميقا “القدر كان أقوى مني ولكنني سأتحدى الطائرات والقذائف لأحقق حلم أبي وأمي، فعندما يعود شريط الذكريات المؤلم لمخيلتي يغرز في نفسي كخنجر، عندما أرى أمامي الدخان المتصاعد والصريخ من جديد، لكن رغم كل هذا أبقى متماسكة لإعادة إكمال حياتي وأواسى نفسي ببعض كلمات.. أعرف أنها لن تجدي نفعا الحمد لله كانوا شهداء شربت الأرض من دمائهم الطاهرة).
حال نغم كحال مئات الأطفال السوريين الذين شردتهم الحرب وأبعدتهم عن مقاعد الدراسة، فقد أكدت تقارير صادرة عن منظمة اليونيسيف أن 2 مليون طفل تركوا مدارسهم نتيجة تدميرها أو نزوحهم خارج البلاد، وقد انخفضت نسبة الالتحاق بالمدارس في هذا العالم، إذ وصلت إلى نحو 50% بعد أن كانت89%.
تعيش نغم في بيت جدتها (70 سنة)، تحاول الجدة أن تكون لها الأم والأب وحتى الأخوة، بدأت الجدة تشارك حفيدتها الحديث قائلة “يمكن لنغم أن تقف على قدميها مجددا لكن هذا يتطلب منها الوقت الكافي ويتطلب منا أن نقدم لها الدعم والتشجيع، حلمي أن أرى نغم تشارك زميلاتها حياتهن الاعتيادية، وتكمل دراستها دون مساعدة أحد بالذهاب إلى المدرسة، فاعتدت منذ ذاك الحادث المؤلم ع توصيلها بنفسي إلى لمدرسة”.
فهل يُمكــن أن يتجــاوز أطفــال ســوريا هذه المحنة، ويحوّلوا الذكـريات المؤلمة من الرعــب والخوف والتشتت إلى طاقة لبنــاء البلد، وإعادة إعمــارها؟ وهل سكون ذلك قريباً؟ .. أم أن السينــاريو الأسوأ هو الذي ينتظــرهم، وهو اجترارهم لذكــريات مؤلمة تؤثــر عليهم سلباً طوال حياتهم، سواء جسدا أم نفساً.
المركز الصحفي السوري – رشا مرهف