في كل رمضان، تحضر جدة حسين له الفطائر المحشوة بالجبن أو اللحم التي تخبز بالفرن. هذا العام، استبدت هذه الحشوة بالعشب وقامت بشوي الطبق على النار التي أشعلت بواسطة البلاستيك. أخبرني حسين الأسبوع الماضي، مباشرة بعد أن تناول طعام إفطاره:” أتعهد لكم بان طعمه أفضل بكثير مما يبدو عليه”.
حسين، وهو اسم مستعار غيرته لأسباب تتعلق بسلامته، يعيش في مضايا، وهي بلدة صغيرة بالقرب من دمشق. وهي إحدى الجيوب التي تسيطر عليها المعارضة قرب العاصمة السورية، والتي يحاصرها حزب الله التحالف مع الرئيس السوري منذ حوالي عام. تحيط الألغام الأرضية بالبلدة، وأولئك الذين يملكون الشجاعة الكافية للمخاطرة والهرب عادة ما يفقدون أحد اطرافهم. قوافل المساعدات الدولية لا تحضر سوى القليل من البرغل والأرز والسكر وحليب الأطفال على فترات غير منتظمة كل بضعة أشهر، بالكاد تكفي لتبقي حوالي 40000 مدني محاصر في الداخل على قيد الحياة.
من بين سلسلة الكوارث التي تشملها الحرب الأهلية السورية – التي تضم صعود الدولة الإسلامية وأزمة اللاجئين التي اجتاحت العالم، ومقتل حوالي 400000 مدني- يبدو أن المجتمع الدولي يعتبر الموت البطئ خلف الحصار مشكلة من الدرجة الثانية. ولكن تجويع المدنيين لتحقيق تقدم عسكري يعتبر جريمة حرب وفقا لاتفاقية جنيف، والموت تحت الحصار يمكن أن يكون له أثر الصدمة نفسه تحت رعب البراميل وقطع الرؤوس علنا.
حسين هو واحد من 590000 سوري تقول الولايات المتحدة أنهم يعيشون تحت الحصار. (يقدر البعض بأن أكثر من مليون مدني يعيشون تحت ظروف مشابهة للحصار). الغالبية العظمى من أولئك المحاصرين، مثل حسين، يخضعون للحصار من قبل القوات الموالية للرئيس بشار الأسد، مع أن داعش وجبهة النصرة وبعض الجماعات المتمردة تفرض بعضا من حالات الحصار على المدنيين.
في 21 يونيو، ذكر ستيفن أوبرين، مساعد الأمين العام للشئون الإنسانية في تقرير بأن 9 ملايين سوري مهددون بخطر انعدام الغذاء. ومن الصعب تجاوز الخطر النفسي والجسدي للحرمان من الغذاء خلال شهر رمضان، وهو طقس يصوم فيه المسلمون خلال النهار ويتناولون طعامهم في الليل. خلال الشهر المقدس، تحدثت مع أشخاص يتعرضون للتجويع في جميع أنحاء سوريا، حيث أخبروني أنهم يحاولون التجمع مع بعضهم قدر الإمكان لإحياء طقوس الشهر، ولكن ليس هناك الكثير للاحتفال به في موسم هذا العام.
يقول جهاد، الذي يقيم في حي الوعر المحاصر، في حمص:” الصيام مفروض علينا من قبل قدوم رمضان”. في رمضان الحالي، يمضي جهاد ساعات من المساومة في السوق، في محاولة منه لتبديل ما يملكه من مدخرات قليلة بالأطعمة المعلبة. محمد، الذي يعيش في داريا، إحدى ضواحي دمشق الجنوبية التي لا تبعد عنها سوى أميال معدودة، قال لي إنه نادرا ما يغادر قبو منزله. إنه يخشى من أن يتعرض للقتل بسبب أحد البراميل المتفجرة التي تلقيها يوميا الطائرات المروحية الحكومية. ولكنه لا زال يضع وجبه البرعل والأرز مع بعضها كل يوم. منذ بداية رمضان، والجيش السوري يقصف الحقول التي لا تبعد سوى مئات الأمتار عن المكان الذي يذهب إليه ليلتقط الخضروات.
على الرغم من أن قوافل المساعدات الدولية التي تنظمها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تبقي على المجاعة قيد المراقبة، إلا أنه لم ترفع أي حالة من حالات الحصار خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حتى خلال فترة وقف إطلاق النار الجزئي، وفقا لمنظمة مراقبة الحصار. تعيش المجتمعات التي تقبع تحت الحصار تحت رحمة الرجال المسلحين الذين يحاصرونهم، ويجب أن توافق الحكومة على دخول المساعدات إلى هذه المناطق. وفقا لأمم المتحدة، فإن الجنود عادة ما يفرغون الشحنات من الغذاء والدواء ، وحتى إنهم يهاجمون المدنيين الذين ينتظرون القوافل.
بدأت الحديث مباشرة مع حسين بعد أن تلقيت رسالة من ابن عمه منير من تركيا في شهر يناير، وذلك عندما كنت أكتب مقالة حول القوافل الإنسانية المتوقفة. وصف حسين حياته تحت الحصار خلال المحادثة الأولى بأنها:” رعب وملل وجوع طوال الوقت”.
تدار مضايا من قبل المتمردين السوريين الموالين لحركة أحرار الشام المتنشددة، ولكن حسين يقول إنه لم يحمل السلاح أبدا. وليس لديه الكثير الأمور المشتركة مع المتمردين. يحاول حسين كسر رتابة الحياة بقراءة التاريخ من خلال الكتب التي تسنى له إنقاذها من مكتبة والده، التي احترقت بالكامل عام 2012 عندما تحولت الاحتجاجات إلى حالة من العنف.
في يناير، أرسل لي صورة لعشب وحشائش مسلوقة يقول إنه كان يعدها لعشائه. قال لي:” أحب الدجاج. كل بدلا عني إذا استطعت”. خلال الشتاء، خسر حسين 50 باوند من وزنه. لقد كان أحد المحظوظين: حيث إن 46 مدنيا جاعوا حتى الموت في مضايا في ديسمبر ويناير، وفقا لما ذكرته أطباء بلا حدود.
لحد الآن ليس هناك أي مبادرة دولية لعلاج حالات الحصار في سوريا يمكن أن ترقى إلى حجم المشكلة. في إبريل، مجموعة دعم سوريا، التي تضم روسيا والولايات المتحدة، قالت إن على نظام الأسد وقف عرقلة وصول المساعدات الإنسانية. وحددت تاريخ 1 يونيو كموعد نهائي للسماح بتدفق المساعدات. وعد التحالف والولايات المتحدة بأنهم سوف يدعموا إلقاء المساعدات من الجو إذا لم يسمح بدخول الطعام.
وقد جاء الموعد المحدد وذهب. سمح نظام الأسد للهلال الأحمر السوري بإدخال المساعدات إلى داريا في 10 يونيو – وهي اول قافلة غذاء تصل للمدينة منذ أربع سنوات- ولكنه سمح للشاحنات بإدخال طعام ل 2400 مدني من أصل 4000 إلى 8000 مدني عالقون هناك. حاليا، المساعدات الغذائية الوحيدة التي ألقيت من الجو ألقيت على دير الزور، وهي المدينة التي يسيطر عليها النظام والتي تحاصرها الدولة الإسلامية.
بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية، لا زال المجتمع الدولي بعيدا كل البعد عن حل المشكلة المحيرة: معظم المدنيين المجوعين تحاصرهم قوات النظام السوري، ولكن المنظمات الإنسانية لا تستطيع الدخول إلى الأراضي المحاصرة دون موافقة النظام، وعليهم أن يطلقوا قوافلهم من دمشق التي تقع تحت سيطرة النظام.
لا يظهر أن هناك أي تغيير على الوضع الراهن حاليا. القوات الموالية للأسد سوف تستمر في محاصرة السكان عندما لا يكون في وسعها طرد المتمردين. تقول فيلاري سيزبالا، المدير التنفيذ لمعهد سوريا، وهو مركز دراسات مقره واشنطن:” ليس هناك تبعات سلبية لتطبيق هذا الحصار”.
في حين أن وحشية الدولة الإسلامية أثارت حملة عسكرية متعددة الجنسيات، إلا أن حالات الحصار يبدو أنها لا تثير أكثر من مجرد بيانات شديدة اللهجة. لو كانت الدولة الإسلامية هي من يمارس الحصار ويجوع السوريين وليس نظام الأسد، فإن الرجال الذين يقفون على المتاريس ونقاط التفتيش سوف يجدون أنفسهم تحت ضربات طائرات الولايات المتحدة. ولكن حاليا، تجد الولايات المتحدة نفسها في تحالف محرج مع الأسد في القتال ضد الدولة الإسلامية، مما يعزز من موقف الحكومة التي تجوع مواطنيها.
قبل الحرب، كان رمضان من أسعد أوقات السنة في مضايا، كما يقول حسين. كل أسرة تطبخ طبقا محتلفا تتشاركه مع الجيران عند غروب الشمس عند تناول الإفطار. ولكن الآن ليس هناك طعام لتبادله، وإلى جانب ذلك الناس مرهقون تماما بعد عام من الجوع والموت، بحيث أنهم لا يستطيعون السير في الشوارع وتحية جيرانهم. يقول حسين:” هذا الشهر مثل الشهر السابق. وجبة واحدة في اليوم”.
نيويورك تايمز 30/6/2016
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي