الثورة بمفهومها العام هي التمرد على واقع سيء وأفكار بالية ومعتقدات متحجرة، هي التمرد ضد المتكبرين والمتسلطين والظالمين، بغض النظر عن مدلولاتها اللفظية وتعريفاتها المختلفة.
والثوار الحقيقيون هم من حملوا قيما ومبادئ وأخلاق، رفضت هذا الواقع وتمردت على حماته وأدواته وقامت لإسقاطهم؛ لتحل محلهم من يحمل قيم العدل والمساواة، قيم الحرية والكرامة، قيم التواضع، والعلم والابداع، قيم الحوار وقبول الآخر ودافعت عنها وعملت بها وقامت على نشرها.
الثورة لها شروط ومقومات وأهداف، ولكي تنجح لابد لها من مقومات النجاح والثبات والاستمرار، فشروط الثورة هي الظلم والظلام والجهل والطغيان، فاذا ما توفرت هذه الشروط انفجرت العامة على الظلمة، تقودهم النخب والقادة ممن حملوا القيم السامية والأخلاق النبيلة، والعقول الثاقبة، والمشاريع العادلة الواضحة، وليس شرطا أن يحمل جميع الناس قيم الثوار النبيلة والأخلاق الحميدة لكي تنجح الثورة وتصل لمبتغاها، فلو كان الناس يحملون القيم النبيلة والأخلاق الحميدة، فعلامَ تقوم الثورة إذن وعلامَ يثورون؟!
إذن إن تقدم العلماء والمفكرون والقادة والنخب وسارت خلفهم الجماهير فإن الثورة ماضية إلى نجاحها المحتوم وفلاحها المؤكّد ولو قدمت في طريق ذلك الغالي والنفيس وكثرت التضحيات.
وإن تخلف العلماء والمفكرون والقادة عن السير في أول الركب ونأوا بأنفسهم واكتفوا بأن يحللوا وينظروا وينتقدوا من بعيد، فإن الثورة ماضية من ضياع إلى ضياع ومن فشل إلى فشل، وإن تقدم العلماء والمفكرون وتخلفت عنهم العامة وناكفتهم وتمردت عليهم، فلايزالون في مكابدة ومجاهدة ومصابرة حتى يغلب بعضهم الآخر.. وغالب الظن أن أصحاب الحق والمنطق السليم، سيظهرون وستذعن لهم العامة عمّا قريب إن هم ثبتوا وصبروا وصدقوا.
فالثورة في البداية تكون حالة عفوية للتعبير عن السخط وعدم الرضى عن النظام القائم والحكم السائد، لذلك لابد من الحكماء والعقلاء والعلماء وأصحاب الرأي والسداد؛ لالتقاط الفرصة وتصويب البوصلة، لتصل الثورة إلى أهدافها وغاياتها والعمل الحقيقي إنما يكون على العامة الذين قاموا بالثورة وساندوها وضحوا لأجلها، أو وقفوا على الحياد بالدفع بهم نحو الارتقاء بالعلم والأخلاق وحب الوطن والعمل الجماعي، ونبذ الأنانية والفوقية، والتعصب والجهل.
فنجاح الثورة من عدمه متوقف على نجاح هؤلاء الناس أولا وأخيرا ونقلهم إلى العمل بقيم الثورة وأهدافها.
ونجاح الثورة من عدمه إنما يكون بمقدار وضوح مشروع الثورة وأهدافها وقيمها وصدق الثائرين لأجلها وبمقدار ما يقترب الفريقان بعضهم من بعض وبمقدار تواصلهم يكون اتفاقهم.
وللإعلام دور كبير ومهم بل يكاد يكون له الدور الأبرز في تغيير سلوك العامة ونشر الوعي وإقناعهم بضرورة نجاح الثورة والتضحية من أجلها، إذا ما أحسن استخدامه وكان عنصر نقد بناء، وأداة توجيه وإرشاد، وتصدر إليه أهله وسار على الوجه الذي ينبغي له أن يسير فيه، فالإعلاميون جزء أصيل من جميع الثورات بل هم في مقدمة الركب يوجهه كيف يشاء مع النخب والمفكرين والقادة.
والثورة للجميع فإن هم طغوا وبغوا وظلموا وجهلوا وكثرت شكايتهم وطعنهم واتهامهم وتخوينهم، وجعلوا من الثورة مطية ومغنما، عادوا الى المربع الأول وخسروا ثورتهم وديارهم وأوطانهم.
وإن هم تمسكوا بقيم الثورة ومبادئ العدل وتعالوا فوق الجراح والآلام، وقدم كل منهم بما يستطيع وكانوا يدا واحدة، وأخذ كل واحد منهم مكانه الذي يحسنه ويتقنه ويفلح فيه نجحوا ونجوا وأفلحوا، ونالوا المجد والعلياء، وعاشوا بأمن وأمان وسلم وسلام، وتغنت بهم الأجيال جيلا بعد جيل.
المركز الصحفي السوري – وضاح حاج يوسف