كانت سياسة التوظيف نهجاً احتمى به نظام الأسد، حيث زادت نسبة الموظفين في قطاع الدولة بشكل كبير بعد انقلاب 1970، كان الموظف السوري يبني آمالاً جديدة في كل يوم يسعى في خدمة أبناء مدينته، في نهاية المطاف تنتهي خدمة الموظف بورقة تقاعد تنهي خدمة له دامت أكثر من ثلاثين عاما.
لقد أثرت الأزمة السورية على واقع الوظيفة بشكل عام، حيث أصبحت أوراق التقاعد من أصعب الأمور، يقول محمد المصطفى أحد المتقاعدين من بلدية دمشق:” لم تعد الوظيفة بتلك الأهمية التي يبنى عليها المستقبل، بل أصبحت الوظيفة خلال الأزمة السورية وسيلة بيد النظام لتحويلها إلى منبع للفساد، حيث تفنن النظام خلال السنوات الأخيرة في المحافظة على حكمه من خلال استغلال الوظيفة لتحقيق أهدافه الشخصية، ليضمن الولاء المطلق ممن يقوم بتوظيفهم، حيث حاصر نظام الأسد موظفيه بلقمة عيشهم، وحاول منعهم من التمرد عليه، ليكونوا تحت جناح السلطة وأمام أعينها”.
وأضاف محمد: “لم تسلم دوائر القطاع العام من الأزمة السورية، بل امتدت إليها لتحول إجراءات التقاعد من أبسط الأمور إلى أصعبها، فالموظف بعد جهد سنوات يقرر التخلي عن وظيفته على أن يقوم بأوراق التقاعد، لكنني أفضل التقاعد على أن أعمل بوظيفة لا تقوم بأي عمل، عمل الموظف في اليوم لا يتجاوز 22 دقيقة وسطياً، وإجمالي عدد العاملين وصل إلى 2.5 مليون عامل، والرواتب مايقارب 7 مليار ليرة”.
عند البدء بأوراق التقاعد يقوم الموظف بالحصول على ورقة “انفكاك عمل” من مدير المؤسسة الحكومية، كما يقوم بالحصول على أوراق شخصية مثل ” بيان راتب” وأوراق تأمينية من مديرية التأمينات الاجتماعية ليتم تحويلها إلى مبنى المحافظة ليوقع محافظ دمشق على قبوله تقاعد الموظف، بعد المحافظة يتم تحويلها إلى الدراسات الأمنية التي تقوم بدراسة أوضاع الموظف وأقربائه وسبب التقاعد وأبنائه ومكان إقامته، عند الدراسة يتم التحقيق مع الموظف ودخوله عدة مرات للأفرع الأمنية مما يبعد الكثيرين من القيام بأوراق التقاعد للحصول على راتب التقاعد المعاشي.
فيما حددت المؤسسة العامة للتقاعد شروط يستحق بها الموظف المدني معاشاً تقاعدياً وهي بلوغ المتقاعد سن الستين، المتوفى أو المفصول بسبب عجزه عن العمل بصورة قطعية، المتوفي أو العاجز أثناء العمل، من انتهت خدمته بسبب إلغاء الوظيفة أو الفصل بقرار من مجلس الوزراء، من انتهت خدمته لأي سبب كان، ولديه خدمة مدتها ٢٥ سنة فما فوق، المحال للتقاعد بناء على طلبه ولديه خدمة محسوبة وفق أنظمة التقاعد مجموعها 30 سنة فما فوق بشرط موافقة الجهة التي تملك حق تعيينه، 550 ألف متقاعد في سورية يحصلون على 11 مليار ل.س شهرياً حسب جريدة “الوطن”.
“تقاعدت من الوظيفة لأبتعد عن السياسة وأفرع النظام” كلمات قالها أبو أحمد الحلبي المتقاعد من وظيفته منذ عام، يقول أبو أحمد:” يعاني المتقاعدون من إجراءات أمنية شديدة تتمثل في محاولة النظام اعتقال المطلوبين لديه من خلال قبض الرواتب، حيث أصدر قراراً بعدم استلام الراتب إلا من صاحب بطاقة التأمين، ليتم اعتقاله داخل البنك أو عند الصراف الآلي، كما يجب على المتقاعدين زيارة المخابرات الجوية في نهاية كل عام لتجديد بطاقات حسابهم”.
وقد وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بين كانون الثاني 2013 وكانون الثاني 2015، فصل نحو 1200 موظف حكومي من حماة وحدها، أغلبهم معتقلين سابقين، وجميعهم حرموا من مستحقاتهم المالية وتأمينهم الصحي وتعويض عملهم عن سنوات الخدمة.
وأضاف: “لم يعد راتب التقاعد يفي بغرضه خلال الأزمة السورية، فاستمرار وتيرة الحرب بالتصاعد أدت لتدهور القيمة الشرائية للعملة السورية، فالأسرة السورية تحتاج حاليا إلى نحو 90 ألف ليرة شهرياً، أي حوالي 300 دولار أمريكي، بينما بالكاد يصل راتب الموظف إلى 70 دولار، بحسب تقرير ل”صدى الشام” بلغ متوسط الأجر الشهري للموظف الحكومي في 2011 إلى 17044، وهو ما كان يعادل 300 دولار، فغالبية المهن رفعت أجورها بما يتوافق مع ارتفاع الأسعار وجنون الدولار، على عكس رواتب الموظفين الحكوميين، التي ما زالت ثابتة على حالها منذ آخر زيادة في 2013.
لم ترحم الأزمة ضعف قوتهم وشيب رأسهم، لتعلن لهم أن الحرب لا تعرف كبيراً أو صغيراً، بل تخبرهم أنه مهما طالت مدت خدمتهم إلا أن زيارتهم لأفرع النظام مؤكدة، فهل سيخرج المتقاعد الذي أنهكت الأزمة حياته من داخل أحد أفرع النظام، أم أن الأقبية ستستقبل ضيفاً جديداً؟
المركز الصحفي السوري – سائر الإدلبي