تشي العديد من المؤشرات بوجود فيتو روسي أميركي على العملية العسكرية التي تعتزم تركيا إطلاقها في مدينة عفرين السورية لطرد وحدات حماية الشعب الكردي، ويرى مراقبون أن هذا سيعقد الأمور مجددا على أنقرة ويجعلها تعيد النظر في حساباتها.
دمشق – تقول أوساط سياسية إن التقارب المسجل بين الولايات المتحدة وروسيا في ما يتعلق بجنوب سوريا وسبل إرساء وقف لإطلاق النار هناك، يؤثر على خطط تركيا في القيام بعملية عسكرية واسعة ضد وحدات حماية الشعب الكردي في مدينة عفرين شمالا.
وبدأت تركيا منذ فترة في إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة بالقرب من عفرين وأعزاز، واعتبرت الوحدات الكردية “أن هذا المستوى من التعزيزات هو بمثابة إعلان حرب”.
وكشفت مصادر أن روسيا ليست بصدد سحب أي من قواتها الموجودة في عفرين، على خلاف ما تروّج له أنقرة، بل على العكس لوحظ زيادة في عناصر تلك القوات في المدينة التي يعتبرها الأكراد كنتونا تابعا لإقليمهم العتيد.
وتحاول أنقرة الإيحاء بأن روسيا تؤيد العملية العسكرية التي تنوي القيام بها في مدينة عفرين الواقعة شمال غرب سوريا.
وأكد مدير المركز الإعلامي في أوروبا التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إبراهيم محمد إبراهيم لـ“العرب”، “أن روسيا لم تعط الضوء الأخضر لتركيا في هذه العملية رغم أنها غضت النظر عنها بين الفترة والأخرى”.
وشدد على أن القوات الروسية لم تنسحب من المدينة التابعة لمحافظة حلب بل أرسلت تعزيزات إضافية وهناك تنسيق مكثف بين القوات الكردية والقوات الروسية”.
وكانت تركيا تعوّل على التباعد في مواقف موسكو وواشنطن حيال الملف السوري، لاستدراج روسيا إلى صفها في تنفيذ خططها بشأن تحجيم النفوذ الكردي في شمال سوريا أو على الأقل تحييدها، بعد أن عجزت عن فعل ذلك مع الولايات المتحدة.
وبدا هذا التوجه التركي جليا، خاصة بعد التصعيد الأميركي الروسي الذي سجل في الأشهر الأخيرة على خلفية استهداف الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة للجيش السوري والميليشيات الداعمة له في شرق سوريا خصوصا.
وكانت أنقرة ترقب ما يحدث بعين الرضى، خاصة بعد إقدام الجيش السوري على استهداف مواقع لقوات سوريا الديمقراطية التي تقودها الوحدات الكردية في محافظة الرقة في يونيو الماضي، بضوء أخضر روسي، ما كاد يشعل مواجهة بين الأميركيين والروس.
ويقول مراقبون إن روسيا لا تخفي انزعاجها من وضع وحدات حماية الشعب الكردي جميع بيضها في سلة الولايات المتحدة، بيد ان ذلك لا يعني بالمطلق أن تقدم موسكو على تبني وجهة النظر التركية.
ويرى هؤلاء أن الانفراجة التي سجلت مؤخرا على مستوى منطقة الجنوب التي تم استبعادها من اتفاق استانة وحصرها بيد الولايات المتحدة وروسيا بالتأكيد ستدفع موسكو إلى التعاطي ببراغماتية أكبر، واعتماد هذا التفاهم كأرضية مشتركة يمكن البناء عليها بالنسبة إلى باقي المسائل الشائكة في سوريا، تمهيدا لحل نهائي تتوق إليه موسكو.
وأوضح القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي، الذراع السياسية للوحدات الكردية أن روسيا ترغب بشدة في التقارب مع الولايات المتحدة لفرض حل في سوريا، ولذلك فإنها لن تسعى إلى استفزاز واشنطن من أجل أنقرة”.
ولفت إبراهيم محمد إبراهيم في معرض تصريحاته لـ“العرب” أن واشنطن وموسكو مدركتان للطموحات التوسعية التركية في سوريا وهذه النقطة تعزز حرصهما على الوقوف ضد استهداف أنقرة للأكراد.
وأعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن واشنطن مستعدة للعمل مع موسكو من أجل وضع آليات مشتركة في سوريا مثل مناطق حظر جوي، معتبرا أن روسيا تتحمّل مسؤولية خاصة في التسوية السورية.
وأكد تيلرسون في بيان صدر قبيل القمة الأميركية الروسية المقررة الجمعة على هامش اجتماع مجموعة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية، أن الأزمة السورية ستكون من المواضيع التي سيثيرها الرئيس دونالد ترامب خلال لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وأوضح الوزير الأميركي إن “الولايات المتحدة مستعدة لاستكشاف إمكانية العمل مع روسيا على وضع آليات مشتركة تضمن الاستقرار، بما في ذلك مناطق حظر جوي ومراقبين ميدانيين لوقف إطلاق النار وتنسيق إيصال المساعدات الإنسانية”.
وأضاف “إذا عمل بلدانا معا لتحقيق الاستقرار على الأرض فإن هذا سيضع أساسا للتقدم نحو تسوية من أجل مستقبل سوريا السياسي”.
وقال تيلرسون إن الولايات المتحدة وروسيا يفصل بينهما عدد من الخلافات العالقة، لكن لديهما إمكانيات للتنسيق في سوريا من أجل تحقيق الاستقرار وضمان المصالح الأمنية للطرفين، مستذكرا ما أنجزه العسكريون من تقدم في اتصالاتهم بهدف منع تصادم قوات الطرفين في الساحة السورية.
وفي ظل هذه القناعة الروسية الأميركية السائدة بضرورة التعاون معا لحلحلة الأزمة السورية، والتي لمستها تركيا بشكل واضح من خلال تشبث موسكو بعدم إدراج الجنوب على طاولة أستانة، رمت أنقرة بورقة إدلب مقابل عفرين في مفاوضات أستانة الأخيرة، وفق ما أكدته أوساط مطلعة.
وقالت الأوساط إن أنقرة ربطت نشر قوات روسية في محافظة إدلب التي تعدّ الطرف الإقليمي المؤثر هناك، بتمكينها من عفرين، وهذا ما ساهم في فشل التوصل إلى اتفاق بخصوص خرائط مناطق خفض التصعيد والتي أوكلت مهمتها إلى مجموعات عمل.
وشككت هذه الأوساط في قدرة تركيا اليوم على شن عملية عسكرية في عفرين، لأنها لا تواجه فقط بفيتو أميركي بل روسي أيضا.
واعتبرت الأوساط أنه قد يتم التوصل إلى طرح يمكن أن تقبل به تركيا مثل تسليم عفرين للنظام السوري، وسبق وأن قامت الوحدات بذلك، ولكن سيكون أمرا صعبا جدا بالنسبة إلى الأكراد بالنظر إلى أهمية هذه المدينة التي تعدّ في قلب مجالهم الحيوي.
ومؤخرا صرّح صالح مسلم رئيس الاتحاد الديمقراطي لقناة “روناهي” الحزب الكردي “طلبنا من الولايات المتحدة وروسيا التدخل لإيقاف العدوان التركي على عفرين، وإذا لم يساعدونا في إيقاف هذا العدوان فسوف نقوم بتسليم منطقة عفرين للنظام السوري، كما فعلنا مع منبج وقطع الطريق أمام تركيا لأنها أرض سورية، ولن نسمح لتركيا باحتلال شبر من تراب سوريا”.
المصدر : صحيفة العرب