أشار الخبير السياسي “فخر الدين ألتون” إلى أن الولايات الأمريكية المتحدة وروسيا الاتحادية تسيران بشكل مشترك في عدد من القضايا العالقة على الصعيدين الإقليمي والدولي، موضحًا أنه في إطار ذلك النظام تسعى تركيا لتحسين علاقاتها مع روسيا لكسر تبعيتها الكاملة للولايات المتحدة الأمريكية وكسب ميزة تسيير مصالحها القومية من خلال سياسة التوازن بين الطرفين.
وصف عدد من الخبراء التقارب الروسي التركي مؤخرًا على أنه يصب في إطار مسعى تركيا لتغيير محورها السياسي الدولي، وذلك من خلال اختيار المحور الروسي كبديل للمحور الأمريكي أو الغربي.
من جانبه يُسجل ألتون في مقاله بصحيفة صباح “معنى التقارب الأمريكي التركي” اعتراضه على ذلك التقييم، معربًا عن أسفه لاستناد ثلة كبيرة من المحللين إلى “أفكارهم الإيديولوجية” البعيدة عن الحقيقة في إصدار مثل تلك التقييمات.
ويوضح ألتون أن التقارب الروسي التركي ما هو إلا نتيجة لتحكيم الطرفين العقلانية على الحماسة السياسية، منوّهًا إلى أن توصيف التقارب التركي الروسي يتضح من خلال النقاط السبع التالية:
1ـ الأولوية الأساسية للسياسة الخارجية التركية هي تجنب السقوط في فخ “التبعية”. ترغب تركيا في زيادة عدد حلفائها، ولكنها لا تريد أن تكون تابعة لأي شريك. هذا المبدأ سارٍ على العلاقات التركية الأمريكية والتركية الروسية ولا فرق بينهما.
2ـ العالم اليوم لا يعيش في عصر الحرب الباردة المعتمدة على القطبين، كما أن تركيا لم تعد تتلقى الأوامر أو التعليمات من روسيا أو أمريكا، لذلك بما أن الطرفين الأمريكي الروسي يمكن لهما العمل بشكل متوازي في بعض النقاط، فإن من الممكن لتركيا أيضًا القيام بذلك.
3ـ أرادت الولايات المتحدة تمديد فترة النزاع بين تركيا وروسيا أو حل الخلاف بشروطها، ولكن تركيا كسرت الهيمنة الأمريكية من خلال إرسال مكتوب الاعتذار لروسيا. استثمرت الولايات المتحدة الكثير من الخلافات الإقليمية والدولية لصالحها منذ عام 1945 وحتى الآن، إلا أن تركيا بتحركها المباشر في طلب التصالح مع روسيا، حرمت الولايات المتحدة من ورقة مهمة. حملة نيويورك تايمز الشرسة ضد تركيا تكشف عن خبايا الغضب الأمريكي تجاه التحرك التركي المستقل.
4ـ لم تكن تركيا فقط هي من تطلب إعادة العلاقات التركية الروسية إلى نصابها السابق، بل إن روسيا أيضًا تضررت كثيرًا من هذا الجفاء، فجاء التقارب بناء على رغبة متبادلة لدى الطرفين.
5ـ تقارب تركيا وروسيا يعود بنتيجة إيجابية على اقتصاد البلدين؛ وفي ذلك السياق، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن حجم التبادل التجاري الروسي التركي 28 مليار دولار، ولكن ذلك لا يرتقي لقدرات الدولتين الاقتصادية التي تحمل في طياتها إمكانيات لرفع حجم الميزان إلى 100 مليار دولار.
6ـ من المحفزات الأخرى للتقارب التركي الروسي التعاون الاستراتيجي المرتقب بين الدولتين، والذي سيشمل بناء مفاعل نووي سلمي، ومشروع مد خط السيل التركي لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا. هذه المشاريع ليس لصالح تركيا فقط بل أن روسيا ستحظى بفائدة اقتصادية ضخمة جراء ذلك التعاون.
7ـ عن القضية السورية لا يمكن توقع توافق تركي روسي قريب في هذه القضية، التهديد الأساسي لكلا الطرفين الآن هو التقسيم الذي يهدد سوريا بدعم أمريكي، وبالرغم من تهديد تركيا بعدم الإصغاء لأي حل مع وجود الأسد، إلا أنها ستقدم أولوية وحدة الأراضي السورية على أي قضية أخرى.
وفي ختام مقاله، يؤكّد ألتون أن تركيا لا تشهد أي تغيير قطبي أو محوري، بل هي في مكانها الذي حددته على أساس تنويع العلاقات الخارجية، قبل نشوب أي أزمة بينها وبين روسيا، مبينًا أن تقاربها مع روسيا، لا يعني بأنها ستنحى بعيدًا عن باب التعاون مع الغرب.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد استقبل الرئيس التركي أردوغان في سانت بطرسبرغ الروسية، في التاسع من الشهر الجاري، في إطار مسعى الطرفين لإعادة العلاقات المتبادلة إلى ما كانت عليه قبل نشوب أزمة إسقاط الطائرة.
الأيام