في المناطق المشتعلة، سلك النظام أسلوب القصف والقتل والتدمير، أما هنا فيلجأ لأساليب تقوم على حرمان المدنيين من الخدمات، والاستيلاء على منازل المعارضين الذين التحقوا بالثورة عن طريق تزوير المستندات العقارية، والتضييق الأمني المستمر، كما كلّف النظام عناصر من شبيحته بتشكيل عصابات مسلحة تسطو على المنازل وترتكب جرائم قتل.
تهجير متعمد وتسهيل
تشهد أحياء الصليبة، والرمل الجنوبي، والسكنتوري، والمارتقلا، وحي السجن، المحسوبة على المعارضة في مدينة اللاذقية، تغييراً ديموغرافياً يثير القلق، يتم العمل عليه بصمت وهدوء، إذ تتبع سلطات نظام الأسد سياسة التضييق على السكان، وتدفعهم قسراً إلى الهروب خارج البلاد، وتعمد إلى الاستيلاء على منازلهم الفارغة بقرار صادر عن لجنة إسكان المهجرين، وتسلم تلك المنازل للموالين لها من بقية المحافظات، أو للشبيحة من قرى ريفي جبلة والقرداحة.
يستعمل نظام الأسد أساليب متنوعة للضغط، تبدأ باعتقال الشباب، وزجهم في السجن أو سوقهم إلى الجبهات للقتال في صفوفه، يضعهم في الصفوف الأولى، ليعودوا في أكياس مغلفة، الأمر الذي يدفع الأهالي لتهريب أبنائهم إلى لبنان، أو تركيا، أو المناطق المحررة مقابل مبالغ خيالية، قد تصل إلى ثلاثة آلاف دولار يدفعونها للشبيحة وعناصر الأمن وضباطه لإتمام عملية تهريبهم.
مثل هذا، حصل مع المهندس “عبيدة” الذي قال لـ “اقتصاد”: “لقد دفعت مبلغ يعادل 2250 دولار، لتوصيلي إلى قلعة المضيق، في سيارة خاصة يقودها شبيح مدجج بالسلاح، كانوا ينادونه على الحواجز (أهلاً بالمعلم)، مع العلم أنني متخلف عن الخدمة العسكرية في جيش نظام الأسد، وكنت مختبئاً في دمشق”.
وعن خطوات عملية نقله للمناطق المحررة قال: “أرسل لي الشبيح الملقب بالمعلم الذي اتفقت معه سيارة خاصة جاءت بي من دمشق إلى اللاذقية، لينقلني فوراً إلى الأراضي المحررة، وأخبرني على الطريق بأنه ضابط في جيش النظام، ويقوم بهذا العمل بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية”.
وروى عبيدة أن عناصر الحواجز يدركون المهمة التي يقوم بها “المعلم” واتضح ذلك عندما سأله عنصر على حاجز بيت ياشوط “شومعلم عتركيا، هتلك ألفين ليرة فأجابه الضابط: شغلة ماشغلتك”.
إهمال خدمي
لم يقتصر الأمر على التضييق الأمني، بل تعداه إلى التضييق الخدماتي، إذ تعمد السلطات إلى قطع المياه بشكل متكرر، ولفترات طويلة، تمتد لعدة أيام وتأتي في أوقات قصيرة.
أما بالنسبة للكهرباء، فتخضع الأحياء المحسوبة على المعارضة لنظام تقنين مختلف، إذ لا تصلها الكهرباء سوى 6 ساعات، وغالباً ما تكون بعد منتصف الليل.
كما تهمل النظافة، حيث تتراكم الأوساخ في الأحياء، وتمر أيام دون ترحيلها، لتنتشر الجرذان والحشرات والروائح الكريهة في معظم الأحياء، وينشغل عمال النظافة بمهام أمنية فقط في المنطقة.
عصابات قتل وسرقة
أحدث ابتكارات النظام لزيادة التضييق على المدنيين “المعارضين” تشكيل عصابات تقتحم المنازل بصفة أمنية، تفتشها وتنهب ماغلا ثمنه وخف وزنه.
ولم تخف شبكات إعلام موالية للنظام ذلك، وجاء في صفحة “قذيفة هاون في اللاذقية”: “اي عادي لأن حاميها حراميها، وفي كتير كمان لو حققت الأجهزة الأمنية في كل شعبة من شعبها لترى ما هو أدهى وأمر”.
وجاء المنشور عقب إطلاق الشرطة سراح مجموعة لصوص قبضت عليهم متلبسين خلال سرقة أحد المنازل في حي الشيخ ضاهر، حيث أُلغي الضبط بحقهم.
وكانت مدينة اللاذقية قد شهدت عدة عمليات قتل مع سرقة للمنازل التي يقطنها رجال أو نساء متقدمين بالسن، كما حدث في حارة الشحادين، حيث عثر على امرأة عجوز مقتولة في منزلها، بعد سرقة كل محتوياته القيمة، وتلا الحادثة صدور قرار بوضع اليد على المنزل، وتسليمه لأحد الشبيحة.
صمود
رغم كل ذلك لا يزال كثيرون مصممين على البقاء وعدم مغادرة منازلهم مهما ارتفع سقف الضغوط الأمنية وغيرها.
“لن أرحل مهما ضيقوا علينا، مع أن الكثير من أقربائي وجيراني قد رحلوا، وسأبقى مهما كانت النتائج، ولن أكون مساهماً باستبدال سكان اللاذقية”، هكذا قال المهندس “م ح”، للناشط الإعلامي “محمد الساحلي”.
وأضاف: “كل وسائل الضغط تمارس علينا، والغاية تهجيرنا واستبدالنا، أناشد كل الناس بأن يصمدوا، فلا بد أن الفرج قريب”.
وتقدر إحصاءات غير رسمية هجرة وهروب ثلث سكان المدينة من المحسوبين على المعارضة منذ بداية الثورة.
طارق حاج بكري – اقتصاد