تزداد الثورة السورية التي انطلقت ببساطة وعفوية، مع مرور كل يوم تعقيدًا وصعوبة، وذلك بسبب تدخل عدد كبير من العناصر الدولية في خط سيرها، ما جعلها في طور يُصعب به إصدار التوقعات المحتملة والأكيدة فيما يتعلق بنتائجها الممكنة في المستقبل.
وعلى الرغم من صعوبة توقع إمكانية سقوط الأسد، إلا أن ثلة كبيرة من الباحثين الاستراتيجيين يقومون بوضع بعض التقييمات التحليلية لما يمكن أن يحدث من نتائج في المستقبل في حين تكللت الثورة السورية بالنجاح واستطاعت إسقاط انظام الأسد.
وفي ذلك السياق، يقول الخبير الاستراتيجي “جمال الدين تاسكان”، في دراسته الأكاديمية “هل ستخسر إيران قوة إقليمية في حين تم إسقاط رأس الأسد من قبل الثورة؟، نُشرت على الصحفة الإلكترونية لمركز أنقرة للدراسات الاستراتيجية، إن إيران أظهرت القبول للثورات العربي التي انطلقت في تونس ومصر والبحرين وعامة بلاد الخليج، وأفاد المسؤولون والخبراء الإيرانيون، في ذلك الوقت، بأن المواطنين العرب في الموطن العربي يسيرون على نهج “أية الله” الخميني الذي أسقط النظام الملكي “الظالم” عام 1979، ولكن ما إن وصلت لهيب هذه الثورات إلى داخل أراضي حليفها الأساسي في المنطقة “سوريا”، أضحت تنادي بوجود مؤامرات غربية جبارة تهدف إلى تقسيم المنطقة العربية إلى دويلات متناحرة.
ويتابع تاسكان مبينًا أن الموقف الروسي من ثورات الربيع العربي كان متشابه بشكل كبير مع الموقف الإيراني، مشيرًا إلى أن روسيا وإيران لم تقتصران على تغيير موقفهما السياسي تجاه الثورة السورية سياسيًا وإعلاميًا، بل قامتا بتقديم دعم غزير لنظام الأسد لإبقائه قائم على أرجله أمام الثورة التي انطلقت من وسط حاضنة شعبية اجتماعية كبيرة، ولم يكن الدعم الإيراني والروسي هو فقط من العنصر الذي أطال من عمر الثورة السورية بل إن عدم اتضاح الموقف الغربي وعدم جديته تجاه إيجاد حلول عاجلة لهذه الثورة، على غرار الثورة الليبية، ساهم بشكل أكبر من الدعم الإيراني والروسي في إطالة عمر الثورة السورية إلى تاريخ مجهول.
ويبين تاسكان أنه في حين تمكن الثوار من إسقاط الأسد والنجاح في ذلك، فإن هناك عددا ً من التغيرات الاستراتيجية التي يمكن أن تحدث في المنطقة أهمها؛ ضعف قوة إيران الإقليمية. قد يقول قائل سوريا لم تصبح الحليف الوحيد لإيران في المنطقة، بل أصبحت اليمن والعراق أيضًا دول خاضعة للسيطرة الإيرانية، هذه مقولة صحيحة، ولكن اليمن قريبة جدًا لدول الخليج وتُشكل خطر مداهم لهما، ولذلك فإن حرب دول الخليج لن تسمح لإيران تحقيق هدفها في إدامة السيطرة الغير مباشرة على اليمن، كما أن العراق اليوم في حال لا يُحمد عليه إذ أن تنظيم الدولة أصبح في الفلوجة ولم يبقى سوى خطوات ويصل بغداد، وعلى الرغم من المقاومة الصارمة التي يُبديها الجيش العراقي ضدها، إلا أنها ما زالت قائمة على أصولها، ولا يشكل العراق أهمية استراتيجية لإيران بقدر سوريا التي تطل على البحر الأبيض المتوسط وتشكل خط تماس مباشر مع إسرائيل التي تُعد الخصم الاستراتيجي لبرنامجها النووي.
ويؤكد تاسكان أن روسيا أيضًا ستكون خاسرة جدًا من ذلك، إذ أن سوريا تشكل قاعدتها العسكرية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط ومنفذها البديل لتركيا لنقل غازها الطبيعي إلى دول شرق أوروبا.
ومن جانبه، يشير الباحث السياسي “ندرت أرسنال”، في مقاله “إذا رحل الأسد”، نُشرت في صحيفة “يني شفق”، بتاريخ 12 كانون الأول/ ديسمبر 2015، إلى أنه في حين تمكنت الثورة السورية من الانتصار على نظام الأسد، فستنقلب معادلة موازين القوة الخاصة بالمنطقة لصالح تركيا ودول الخليج العربي، لا سيما في ظل تحضر إيران للانفتاح على العالم بشكل حيوي، وهذا ما يشكل ضغط كبير على دولة المنطقة من إمكانية كسب إيران قوة اقتصادية تجعل منها قوة عسكرية ذات ترسانة عتيدة في المنطقة، ولكن إن تم إبعاد إيران عن سوريا فهذا يعني إغلاق أحد منافذ تصدير النفط الإيراني للغرب، ولكن في الحقيقة، إقصاء إيران من المنطقة ليس بالأمر الهين، بل أمر جلل يحتاج إلى اتحاد جاد من قبل الدول المتضررة لدعم الثوار في الميدان بالقدار الذي يحتاجونه ويجعلهم يتفوقون على قوات إيران ومليشيات حب الله في الميدان.
ويُضيف أرسنال أن تركيا ستصبح الدولة الأكثر انتصارا ً سياسيا ً واستراتيجيا ً في المنطقة، إذ أن الدعم الذي قدمته تركيا للثورة السورية، مع إيمان عميق بحتمية نجاح الثورات العادلة، سيؤكد على نظريتها المُحاطة بمبدأ أن الشعب إذا الحرية فلا بد أن ينالها.
ترك برس