تحت سقفٍ من قماش، لا يقي ضجيجِ الرياحِ والمحيط، ولا من انخفاضِ الحرارةِ أو ارتفاعها، وفي مساحةٍ صغيرةٍ ازدحم فيها 18 طفلٍ ومعلمتهم.
أحسنت يا عمر، صفقوا له
معلمتي ألم تعديني بمكافئة؟ نعم يا حبيبي، جلبتُ لك هديةً جميلةً جداً تعال لتأ …. قاطعني صوتٌ رهيبٌ مرعب، إنها طائرةٌ حربية، توقف التصفيقُ وساد الصمتُ، أصفرت وجوهُ الأطفالِ، وجحظت عيونهم، ثم تلقي الطائرة الصاروخ، فترتج الأرض.
أتماسك وأبتسم لأخفي خوفي وأقول : _لا تخافوا القصف بعيد، هيا رددوا معي بسم الله قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق…
لقد كان مشهداً من الذاكرة تخيلته وأنا أنظر لجدار الخيمة المهترأة، ثم أعود لحاضري وأنتبه على محمد يقول _معلمتي لما لا تجيبي؟
_نعم يا محمد أحسنت يا حبيبي
_ألم تعديني بالمكافأة
أصمت قليلاً ثم أقول له
_الآن تعلمت العد شفهياً عندما تكتبها بشكل جيد سأجلب لك هدية جميلة.
نظر إلي وأغرورقت عيناه بالدموع ثم حنى رأسه وقال:
لكن ليس لدي قلم ولا دفتر.
نظرت له وبتهيدةٍ زفرت نيران قهري وعجز اللسان عن النطق
ثم قال الطفل هكذا تفعل أمي عندما أطلب منها دفتراً وأقلام، تصمت وتتنهد ثم تقول: سيجلب لك أباك عندما يعود،
لكن أبي لم يعود منذ سنة.
شعرت بغصةٍ في حلقي وأرغمت نفسي على ابتسامةٍ مصطنعة
_لا تقلق يا محمد سأعطيك قلم وبعض الأوراق، فتحت حقيبتي فلم أجد سوا قلمين أعطيته قلم وثلاث أوراق، فرُسمت ابسامةً على وجهه الملائكي جميلةً كهلال رمضان بينما وجوده الأطفال تنظر إلي، وكأن القلم أصبح حلماً لهم.
_سأجلب أقلام للجميع عندما تتعلموا العد شفهياً، هيا جميعاً ابتسموا لنأخذ صورةً جميلة .
وأنا أصورهم كنت أفكر كيف أوفي بوعدي وأشتري لهم أقلام، ولم أتسلّم راتبي منذ شهور…
احتفظت بتلك الصورة كذكرى ولم يكن بودي الاحتفاظ بها
عندما يتحول الصف الدراسي لخيمة مهترأة.. بلا مقاعد ولا سبورة بلا كتب ولا أقلام فقط عدد من الحجارة لتعليم الأعداد..
وجوه أطفال لا تعرف الابتسامة..
أطفال ولدوا من رحم المعاناة ونشأوا في ظل الحروب، لم يعرفوا طعم الحلوى، بل عرفوا مرارة التشرد، سرقت الحرب أحلامهم وألعابهم، دمرت بيوتهم ومدارسهم، لكنها لم تنل من جمالهم وبراءتهم، لم تنل من حبهم للعلم وإصرارهم على استعادة كل ما سرقته من أحلام.
سمر فتاة طموحة ذات 24 ربيعاً، تنحدر من بلدة عنجارة غرب حلب، لم تتاح لها الفرصة لتحقيق أحلامها بدخول الجامعة، لكنها لم تستسلم، فحبها للعلم دفعها لتغيير هدفها ومسايرة الوضع، فسجلت في معهد إعداد المدرسين لتتخرج، ثم تعمل بتعليم الأطفال لتواجه كل تلك المعاناة، حتى وجدت نفسها في خيمةٍ ضيقةٍ كالقبر تعلِّم أطفالاً سُلبت أدنى حقوقهم
بلا راتبٍ ولا حتى وسائل تعليم.
التعليم يختنق
مدارس مدمرة، نقص في الكادر التعليم، توقف الدعم
398 ألف طالب وطالبة اضطروا للنزوح في موجة النزوح الأخيرة ، 277 مدرسة تحولت لمراكز لإيواء النازحين، في حين دمر القصف أكثر من 300 مدرسة ، ما أثر على 117 ألف طفل وأكثر من 500 ألف معلّم ومعلّمة.
بينما توقف الدعم في بداية العام الدراسي الماضي أخنق 840 مدرسة، ولا يزال التعليم في الشمال السوري يختنق يوماً بعد يوم ، فهل يلفظ أنفاسه الأخيرة لتنطفئ شعلة العلم ويسود ظلام الجهل.
سيدرة الفردوسي / المركز الصحفي السوري