خلال السنوات الخمس الفائتة بدا خوف الشباب السوري تحت سن الأربعين جائزاً من فكرة السوق الإجباري للخدمة في صفوف جيش النظام، الذي لم يترك فرصة للانقضاض على الشباب وإجبارهم على حمل السلاح إلى جانب “إخوتهم من الجيش السوري” كما يدّعون!. ولأن الوطن بحاجة شبابه للذود عنه ضد الإرهاب! فهذه تعتبر من البديهيات، وفكرة أن تنضم وحدك للقوات المقاتلة تعتبر أسلم لك من السوق الإجباري الذي سيُحملك قدراً كبيراً من الإهانات ستدفع ضريبتها حياتك ربما لأنك ستلقى في الصفوف الأمامية في أرض المعركة.
هذا ما يجري اليوم في دمشق حيث بدأ النظام يُحمّل من بقي من مواليه ذنب حربه غير المنتهية على شعبه، وبدأ بتعبئة عامة سريّة للشباب.
الاختباء في المنزل
“محمد” 27 عاما من منطقة ركن الدين شاب عاطل عن العمل. يلجأ منذ شهر للاختباء في المنزل خوفاً من سوقه إجبارياً للخدمة العسكرية. حيث تحدثنا أمه عن الخوف والرعب الذي يتملكها عند خروجه حتى ولو كان إلى مكان قريب في الحي، بعد أن بدأ الناس يتناقلون أخباراً بأن الحواجز العسكرية تلقي القبض على الشباب بكافة الفئات العمرية.
قررت والدته أن تبقيه هكذا مختبئاً ريثما يتم التخفيف من هذه الأزمة على حد قولها.
وهذا حال “أمجد” 35 عاما من منطقة الزاهرة يعمل مهندسا في إحدى الدوائر الحكومية، حيث التزم بيته بعد أن جاءت مجموعة أمنية مؤلفة من أربعة عناصر وقاموا باقتياد عدد من الموظفين من مواليد 1980- 1989 من مكاتبهم، وتعرضه في إحدى المرات خلال طريقه إلى عمله لمشاجرة مع عنصر أمن أراد سحبه فوراً لمكان يجهله، لولا تمكنه من الهرب.
ومن الجدير بالذكر أن نظام الأسد يعاني من فقر كبير منذ مدة طويلة في أعداد المقاتلين إثر تخلف الآلاف من الشباب عن الخدمة العسكرية وهجرة أعداد كبيرة، إضافةً للانشقاقات المتواصلة والهروب المتعمد من المعارك التي يرمي فيها الأسد الشباب أمام الموت.
وإلى جانب كل هذا قام بتشكيل ميلشيات تحت مسميات عدة كالـ “الدفاع الوطني” أو “اللجان الشعبية” إضافة لأن ساحات المعارك قد مُلئت بالمقاتلين الوافدين من إيران والعراق ولبنان. وبعد كل هذا لابدّ من التعويض الفوري للأرواح التي تموت كل يوم على الجهات.
النظام لا يأبه بأوراق التأجيل الرسمية
“مهند” 20 عاما من ريف حلب يدرس في جامعة دمشق، لم يبالي العسكري على الحاجز بورقة تأجيل الجيش التي أمسكها بيده إلى جانب البطاقة الجامعية عارضاً عليه أوراقه النظامية، حيث قام بتمزيق ورقة التأجيل ومصادرة البطاقة الجامعية والهوية الشخصية وإرساله فوراً إلى القابون حيث يتم ترحيل المجندين الجدد إلى أماكن خدمتهم. وكما أخبرنا أخوه الأكبر لم يتمكنوا من سماع أخباره إلاّ بعد أسبوعين حين استطاع أن يخبرهم بأنه أصبح يخدم في ريف حماة.
والمؤسف في الأمر أن عدد الشباب المأخوذة عنوةً للقتال لا يتوقف عند رقم محدد، بل يزداد يومياً بكثرة رهيبة تدعو للفزع.
ويخبرنا “أبو رائد” 50 عاما بأنه استطاع مؤخراً تهريب ابنه إلى لبنان بعد أن رأى بأم عينه كيف يتم التعامل مع الشباب المارة في الطريق حيث لا يأبه أحد لوضعهم سواء أكانوا طلاباً أم موظفين، صغاراً أو كباراً.
وبحسب شهود عيان فإن أكثر المناطق التي تحدث فيها ما يمكن تسميته بالاعتقالات العسكرية الإجبارية هي تحديداً في العاصمة دمشق، وخصوصاً الساحات العامة والأحياء المكتظة، حيث تم ملاحظة وجود عسكري مكثف خلال الأسبوع الماضي في ساحة الأمويين والسبع بحرات وساحة المحافظة وأوتوستراد المزة، وبعض المناطق الشعبية المكتظة بالسكان كالميدان والزاهرة والبرامكة.
فلا يمكنك تمييز الشرطة العسكرية من الحواجز الأمنية الاعتيادية حيث يتم إيقافك في الشارع وأخذ الهوية وإجبارك على الركوب في باص نقل داخلي كبير ليقلك إلى مكان الفرز.
بعد كل هذا يبدو من المحير والمحزن وضع الشباب اليوم في سوريا. فبعد الانهيارات الكبيرة التي تلاحقهم لم يبق إلاّ رميهم أمام الموت بحجة الدفاع عن وطن كان وما يزال لا يتسع لهم.
أخبار الآن