في دولة كروسيا تعد نفسها لقيادة حلف جديد قائم على أنقاض أحلاف الاتحاد السوفيتي السابق قلما نقرأ في الصحف والمجلات, أو نسمع في وسائل الإعلام عن خروج مظاهرات تقودها المعارضة الروسية في الداخل, وهذا أمر طبيعي لأن الحال من بعضه في كل تلك الدول الشمولية التي تقدس الأشخاص على حساب الشعوب, سيما تلك الدول المحكومة بالأنظمة ذات التوجه اليساري الإشتراكي مثل كوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا على سبيل المثال, حيث يعتبر الحزب الحاكم المتمثل بزعيمه المفدى, هو الحزب القائد للدولة والمجتمع, فيما تبقى مهام البرلمان الذي من المفترض أن يكون خيار الشعب, مهام شكلية يتحكم بها صانع القرار الأوحد في هذه المنظومة الشمولية التي تكرس مختلف مفاهيم الديكتاتورية بشكل معلن وغير خفي, وهذا ما يفسر لنا وقوف هذه الدول إلى جانب بعضها البعض ضد الديمقراطيات, واستماتتها في دعم الديكتاتوريات في جميع أنحاء العالم..
مئات الروس يتظاهرون ضد ترشح “بوتين”
يبدو أن محاولات الإعلام الروسي “المعلم الأكبر للإعلام السوري” بإضفاء صفة التأييد المطلق من قبل الشعب الروسي لسياسات حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الداخل والخارج هي محاولات يائسة وبعيدة عن الموضوعية بشكل واضح, حيث يخرج عدد من المتظاهرين الروس ضد سياسة بوتين في مدن متفرقة على امتداد الخارطة الجغرافية للاراضي الروسية بين الفينة والأخرى, واليوم يستشعر معارضو الرئيس الروسي المغيبين عن السياسة تماماً نية الرئيس الروسي الحالي الترشح لولاية رئاسية رابعة في مطلع العام 2018, لذلك خرجوا في عدد من التظاهرات يوم الأمس في مدن رئيسية مختلفة رفضاً لنية بوتين الترشح على طريق استمراره في حكم البلاد بقبضة توصف بالحديدية عند من يتكلم من معارضيه..
محاولة إبداء اللين من قبل بوتين:
منذ الأمس وهذه الفعاليات والتظاهرات المعارضة مستمرة في روسيا, وقد حملت طابعاً جديداً هذه المرة بتوجيه رسائل إلى الديوان الرئاسي ومكتب الرئاسة في كل الاقاليم الروسية, وبحسب المعطيات المتوفرة فقد شارك مئات المتظاهرين في عشرات المدن الروسية في مظاهرات سلمية جابت الشوارع والساحات, وكانت المظاهرات على نطاق أوسع في موسكو وسان بطرس برغ كبرى المدن الروسية, حيث لم يسجل في موسكو أي نوع من حوادث الاعتقال وفقاً لتسريبات من قبل مصادر معارضة روسية, بعد أن سمحت الشرطة الروسية بهذه التظاهرة في العاصمة الروسية في ظل إجراءات امنية مشددة, وحضور كثيف لقوات الأمن والشرطة, وقام مئات المتظاهرين فيها بتسليم رسائل إلى الديوان الرئاسي تحت مصطلح باللغة الروسية يقابله مصطلح باللغة العربية “يكفي, سئمنا”, بمعنى أن الشعب الروسي لا يريد من بوتين أن يترشح لولاية رئاسية رابعة في الإنتخابات المقبلة المزمع إجراؤها في العام 2018م.
وتحت هذا الشعار بالتحديد “سئمنا” خرجت تظاهرات في عشرات المدن الروسية الأخرى, حيث شهدت هذه الفعاليات قيام أشخاص بتسليم عرائض مكتوبة من قبل المتظاهرين لرجال الشرطة, من أجل إيصالها إلى الديوان الرئاسي, وقد سجل عدد من حالات الاعتقال التي طالت عدداً من ناشطي حركة “روسيا المفتوحة” في مدينة سان بطرس برغ, الحركة التي أسسها ميخائيل خودوركوفسكي في العاصمة البريطانية لندن, وهي الحركة المناهضة للحكومة الروسية التي تعتبرها تنظيماً محظوراً في كافة أنحاء البلاد, ولكن بشكل عام انتهجت السلطات الروسية كما يقول بعض النقاد سياسة جديدة في التعامل مع هذه التظاهرات, حيث أبدت الشرطة الروسية نوعاً من المرونة في التعامل مع هذه التظاهرات بعكس التظاهرات السابقة التي شهدت عمليات قمع واعتقال طالت عشرات المتظاهرين..
تأثير سلوك بوتين في سورية:
المغامرة الروسية العسكرية التي زج بها بوتين بلاده في سورية مستمرة منذ أكثر من عامين حتى الآن, حيث تعبر العديد من الأصوات الروسية المعارضة عن رفضها لسياسة بوتين في سورية, بل يتهمه العديد بإعطاء الأولوية لدور روسيا الجديد في دول العالم على حساب الواقع الاقتصادي المتردي في الداخل.
يبدو أن القيادة الروسية التي أخذت على عاتقها حماية النظام السوري, ودعمه عسكرياً في الحرب المفتوحة ضد شعبه تدرك مخاطر هذه المغامرة جيداً التي قد تتحول إلى قنبلة موقوتة في الداخل الروسي نتيجة احتقان نفوس المعارضين لسياسة بوتين في سورية, لذلك تحاول روسيا الإسراع في حسم الصراع في سورية عسكرياً بكل ما تمتلك من قوة, وتقف حجر عثرة في وجه القرارات التي تصدر في مجلس الأمن لإدانة النظام السوري ومحاسبة الشخصيات النافذة داخلة والمتهمة بارتكاب المئات من الجرائم بحق المدنيين في سورية, لذلك ستحاول القيادة الروسية التوفيق بين الملفين الداخلي والخارجي في الأيام القادمة لأن الدول الديكتاتورية تعي جيداً مخاطر الاستمرار في اتباع سياسة الإقصاء وكم الأفواه ضد الغير وبالتأكيد روسيا ليست بمنأى عن هذا الواقع الجديد في ظل تحولات كبيرة يشهدها العالم برمته قد تنتهي في نهاية المطاف إلى اندلاع حرب نووية عالمية مدمرة طالما حذر منها الجميع, فهل ستضع موسكو كل ذلك في حسبانها؟!
المركز الصحفي السوري- حازم الحلبي.