التحالف الوطني مات وشبع موتا، لأنه تحالف غير سياسي أصلا، ولن تنفع في تسويقه وطنيا رئاسة عمار أو غيره من أقطاب الشيعة.
بعد جدل عنيف وسجالات ساخنة استمرت عامين، بين الأطراف والكتل والميليشيات الشيعية على رئاسة التحالف الوطني، تم اختيار رئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم رئيسا لهذا الائتلاف الانتخابي غير القانوني والمخالف للدستور، الذي اضطرت إيران، وبتشجيع أميركي، إلى تشكيله عقب انتخابات مارس 2010 لانتشال نوري المالكي من الهزيمة التي ألحقتها به القائمة العراقية، رغم أنه أشرف على تلك الانتخابات وهو رئيس وزراء وقائد عام للقوات المسلحة ومسؤول عن سبعة أجهزة أمنية وعسكرية، وظفها للدعاية لكتلته التي كان اسمها للمفارقة (دولة القانون).
وانتخب إبراهيم الجعفري يومذاك رئيسا للتحالف، وقيل إن الإيرانيين ساءهم التراجع السياسي الذي أصاب الجعفري. وهو من النوع الذي لا ينكر أفضال إيران عليه، ويجاهر دائما بأنها الحاضنة الدافئة لشيعة العالم وقدوتهم، وله في ذلك تعابير سفسطائية يتوهم أنها فلسفية، دون أن يدرك أنها تثير السخرية عليه.
وعقب انتخابات أبريل 2014 واجهت أطراف التحالف الوطني وهي للعلم ثلاثة رئيسية (ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر والمجلس الأعلى الذي يقوده عمار الحكيم) تتبعها خمسة فرعية هي منظمة بدر برئاسة هادي العامري، وحزب الدعوة/ تنظيم الداخل، برئاسة خضير الخزاعي، وجماعة حسين شهرستاني وتيار الجعفري وحزب الفضيلة، أزمة سياسية حادة تركزت على ضرورة إبعاد المالكي عن رئاسة الحكومة ومنعه من الولاية الثالثة، بعد أن تغوّل طائفيا وراح يطرح نفسه باعتباره الزعيم السياسي الأوحد للشيعة في العراق.
وقد أثار عليه هذا الأمر نقمة القيادات الشيعية الأخرى وخشيتها من دكتاتوريته التي وصفتها مرجعية النجف حينذاك، بأنها تشكل خطرا على مستقبل الشيعة في العراق. وانتشرت مقولات في الشارع الشيعي تقارن بين رؤساء حكومات سابقين من الشيعة أمثال صالح جبر وفاضل الجمالي وحسين الصدر وناجي طالب وسعدون حمادي ومحمد حمزة الزبيدي الذين اشتهروا رحمهم الله بالعفة والنزاهة والحرص الوطني -اتفقنا معهم أو اختلفنا سياسيا- مع المالكي الذي صنف نصف الشعب العراقي في خانة يزيد، وهو وحده في معسكر الحسين.
وجاء حيدر العبادي وهو عضو غير فاعل في حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون رغم عضويته في المكتب السياسي للحزب منذ أواسط التسعينات، وكانت حجة عمار الحكيم ومقتدى الصدر، أنه من حزب المالكي ومهنيته كمهندس تتفوق على حزبيته وعلاقته طيبة مع الأطراف الشيعية ولا تعترض عليه الكتل الكردية والسنية، واضطرّ المالكي إلى الانسحاب خائبا، وانزوى بوظيفة نائب رئيس الجمهورية، بعد أن أضاف إليها من عنده مفردة (الأول)، مشاكسة لزميليه في الوظيفة ذاتها، إياد علاوي وأسامة النجيفي.
ولكن مشكلة رئاسة التحالف الوطني ظلت عالقة بعد تعيين رئيسه الجعفري وزيرا للخارجية في حكومة العبادي الحالية، ودخل حزب الدعوة والمجلس الأعلى في صراع على رئاسته، الأول رشح النائب علي الأديب عضو المكتب السياسي للحزب تعويضا لخسارته وزارة التعليم العالي التي شغلها لأربع سنوات سابقة، فيما أصر المجلس الأعلى على رئيسه عمار الحكيم الذي راح يلوّح بتحويل التحالف إلى مؤسسة سياسية عابرة للطائفية، وحصل على مراده بتدخل مباشر من الجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي أجبر المالكي على سحب اعتراضه على الحكيم وحضور جلسة اختياره بعد أكثر من عامين على مقاطعته لاجتماعات التحالف.
ورغم أن رئاسة الحكيم للتحالف الوطني، قوبلت بترحيب من الأطراف السنية العربية والكتل الكردية وانهالت عليه برقيات التهنئة من أسامة النجيفي وصالح المطلك وسليم الجبوري ومن قيادات حزبي البارزاني والطالباني، إلا أنه من الواضح أن هذه المشاعر الطيبة إزاء ترؤس عمار للتحالف، ليست حقيقية وإنما جاءت نكاية بالمالكي. ولم يسأل الفرحون بمقدم الحكيم لرئاسة التحالف أنفسهم على الأقل، ماذا سيقدم هذا التحالف الطائفي (من فوق إلى تحت) إلى العملية السياسية المتعثرة منذ بداياتها؟ وكيف يمكن لرئيسه الجديد أن يحوله إلى مؤسسة سياسية عابرة للطوائف؟ وقد قام أساسا على شعار بناء (البيت الشيعي) وحمايته ومنع تشظيه إلى أجنحة متصارعة وأطراف متنازعة على النفوذ.
وليس انتقاصا من عمار الحكيم، إلا أن الأحداث والوقائع التي شهدها العراق، منذ اختياره رئيسا للمجلس الأعلى عقب وفاة رئيسه السابق والده عبدالعزيز الحكيم في عام 2009، لا تبشر بأن يصبح هذا التحالف مؤسسة سياسية رصينة ويتعامل مع الأطراف الأخرى بموضوعية بعيدا عن النزعة الطائفية التي حكمت مسيرة التحالف منذ انبثاقه قبل ست سنوات، بالعكس فإن أداء المجلس الأعلى كان على الدوام، مرتبطا بالسياسات الإيرانية، وقائما على إثارة الفتنة الطائفية بشكل واضح، أكثر من حزب الدعوة الذي ناور ونافق كثيرا في طروحاته السياسية ولكنه ظل متشبثا بمنهجه الطائفي.
ونسأل مجرد سؤال، هل يقبل التحالف برئاسته الجديدة أن يصبح نائبا سامراء وتكريت شعلان الكريم ومشعان الجبوري، ونائبا الموصل عبدالرحمن اللويزي وأحمد الجبوري، وهم أقرب إلى الشيعة، أعضاء فيه؟
التحالف الوطني مات وشبع موتا، لأنه تحالف غير سياسي أصلا، ولن تنفع في تسويقه وطنيا رئاسة عمار أو غيره من أقطاب الشيعة.
العرب هارون محمد