تعد إيران وتركيا، وهما الدولتان غير العربيتين في الشرق الأوسط، من بين أكبر الدول وأكثرها اكتظاظا بالسكان في المنطقة. وتحتل الأولى موقعا استراتيجيا على الخليج العربي ومضيق هرمز، في حين تسيطر الثانية على مضيق البوسفور وبحر مرمرة والدردنيل الذي يربط بين البحر الأسود وبحر إيجة. تتحدر الدولتان من أقدم الحضارات في العالم، وتتمتعان بهوية وطنية قوية. كانت تركيا وإيران صورتان متماثلتان لبعضهما البعض، ونادرا ما يتفقان في وجهات النظر، لكنهما غير قادرتين على الافتراق بسبب قربهما الجغرافي.
وقد تعرّف الأتراك على الثقافة الفارسية أثناء تحركهم غربا، وورثوا تراثا سياسيا ودينيا راسخا. إيران هي موطن أقلية تركية كبيرة، ومن الناحية التاريخية كانت بلاد فارس تحكمها العائلات المالكة التركية، مثل الصفويين و القاجاريين. وفي العصر الحديث، كان هناك دائما تعاون بين الدولتين الجارتين. في العشرينيات، وقعت تركيا الحديثة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، وإيران الجديدة بزعامة شاه رضا بهلوي اتفاق سعد آباد لعدم الاعتداء والدفاع المشترك ضد الأعداء الخارجيين. وبعد ذلك أقامت الدولتان حلف بغداد الذي ضم العراق الجديد. ولم يهز استيلاء الملالي الإيرانيين على السلطة في عام 1979 الأسس الصلبة لعلاقة البلدين، ففي حين فرضت جميع الدول تقريبا أو أعادت فرض تأشيرات دخول على الإيرانيين، أبقت تركيا أبوابها مفتوحة للزوار واللاجئين من إيران.
على أن العلاقات بين البلدين تراجعت بشكل لم يسبق له مثيل، نظرا لوقوفهما على طرفي النقيض في الصراع السوري. لكن الخيارات الاستراتيجية الأحادية الجانب لكلا الطرفين لم تنجح على أرض الواقع، فلم يتحقق تصميم تركيا على الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، ولا سياسة إيران. وعلاوة على ذلك، استهدفت داعش إيران وتركيا، ومن ثم أدرك البلدان أنهما يواجهان تهديدا مشتركا. ويبدو أن المشكلة الكردية تقرب بين أنقرة وطهران. وتشن الحكومة التركية حاليا حربا مفتوحة ضد حزب العمال الكردستاني، واتهمت المنظمات الكردية السورية بالتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو الأمر الذي يقلق بإيران. وعلى ذلك أصبح الأكراد مشكلة مشتركة بالنسبة إلى أنقرة وطهران، ومن ثم فإن البلدين يبحثان عن سبل لصياغة استراتيجية مشتركة لمواجهة الأكراد. وأدت الأزمة السعودية – القطرية الحالية إلى جعل تركيا وإيران أكثر قربا، حيث تدعم الدولتان الدوحة. وافق البرلمان التركي على مشروع قانون يقضي بزيادة عدد القوات التركية المنتشرة في قطر لحماية العائلة المالكة،وعرضت إيران إرسال الأغذية إلى قطر عن طريق البحر.
وإذا نظرنا إلى كيفية تعاون الدولتين على جبهات متعددة، نجد أنهما تعاونا في البحث عن حلول دبلوماسية للحرب السورية. اتفقت أنقرة وطهران على تسريع محادثات أستانا الرامية إلى تسهيل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. كما أن هناك علاقات طاقة وتجارية متزايدة بين تركيا وإيران. وأكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال زيارته الأخيرة لإيران عزم تركيا على زيادة حجم التجارة مع إيران إلى 30 مليار دولار سنويا، قائلا إن أنقرة لا ترى أى عقبة أمام زيادة التعاون مع طهران. وهناك مجال آخر مهم للتعاون هو العراق، حيث من المرجح أن تقرر بغداد تقاسم الحكم مع الأكراد. تمارس أنقرة نفوذها على أحد الفصيلين المتنافسين الرئيسيين في حكومة إقليم كردستان (الحزب الديمقراطي الكردستاني) بينما تهيمن طهران على الطرف الآخر (الاتحاد الوطني الكردستاني). وهذا يشير إلى أن أنقرة وطهران ستكونان أيضا الراعي الرئيس لمقاومة داعش في الشمال.
هناك بعض مواطن الخلاف بين تركيا وإيران،لكنهما اتفقا على تقسيم علاقاتهما على جبهات مختلفة. فعلى سبيل المثال، ففي الوقت الذي سيتواصل الخلاف بين البلدين حول بعض الجوانب، مثل سياستهما المتباينة في سوريا (مثل مستقبل الأسد)، فإنهما سيتعاونان في مناطق أخرى، مثل السياسة المتبعة تجاه الأكراد واستراتيجية مقاومة داعش.
على المدى الطويل، تعرف طهران أن تركيا سوف تلعب دورا رئيسا في بناء الجسور المحتملة بين إيران والغرب. وتدرك أنقرة مدى أهمية العلاقات الودية مع إيران،إذا كانت تسعى إلى تحقيق تأثير أكبر في جميع أنحاء العالم العربي، بما في ذلك السكان الشيعة.ومن ثم ففي حين ما يزال المشهد الإقليمي معقدا ومتحركا، فإن تركيا وإيران سيحصدان مكاسب أكثر من الخسائر عبر الاستمرار في بناء علاقات أقوى.
هناك شيء شديد الوضوح، هو أن تقارب هذين اللاعبين سيخلق كتلة سياسية وأمنية واقتصادية قوية في الشرق الأوسط في السنوات المقبلة. وينبغي لهاتين الدولتين المهمتين في المنطقة أن تدركا أيضا أنه بإعادة تشكيل تحالفهما يتقاسمان مسؤولية أكبر للمساهمة في إقامة نظام إقليمي آمن ومستقر لا يوجد فيه مكان للتطرف والطائفية.
ترك برس