في منزل على أطراف حي برزة الدمشقي، يمكث أبو مصعب -وهو اسم مستعار لرجل ثلاثيني التقته الجزيرة نت- بشكل مؤقت بانتظار من سيساعده على الخروج بطريقة غير قانونية من البلاد بواسطة التهريب وصولا إلى لبنان.
فأبو مصعب الذي كان يعيش وعائلته في حي الميدان وسط العاصمة السورية، اضطر لترك منزله واللجوء إلى أحد أصدقائه، لدى تعميم اسمه كمطلوب لخدمة الاحتياط منذ مطلع يناير/كانون الثاني الماضي.
ويشكل التجنيد الإجباري في سوريا كابوسا لم يعد مقتصرا على الشباب في سن العشرين أو الثلاثين، بل تعداه إلى من تجاوزوا الأربعين من عمرهم، وذلك في آخر حملات السحب لخدمة العلم والاحتياط التي تنفذها القوات الحكومية السورية.
فمع تزايد خسائر النظام للمقاتلين في صفوفه، والتي قدرها المرصد السوري لحقوق الإنسان بنحو خمسين ألفا من القوات النظامية و35 ألفا من القوات الرديفة (كالدفاع المدني واللجان الشعبية)، يسعى النظام لرفد قواته المحاربة بمزيد من المقاتلين عبر حملات اعتقال وتجنيد داخل العاصمة يصفها ناشطون بالعشوائية والعبثية.
قوائم المطلوبين
يقول أبو مصعب إنه استطاع حتى اليوم تحمل كافة مشقات الحياة في سوريا، وعلى رأسها غلاء المعيشة وندرة فرص العمل والأوضاع الأمنية المتدهورة نتيجة التفجيرات والقذائف شبه اليومية في العاصمة، إلا أن إدراج اسمه ضمن قوائم المطلوبين لخدمة الاحتياط كان “الشعرة التي قصمت ظهر البعير”.
فبعد حلول العام الجديد بنحو أسبوع، أحضر عناصر من الشرطة العسكرية بلاغا كتابيا إلى منزل أبو مصعب بوجوب انضمامه إلى قوات الجيش السوري ضمن اختصاص المدرعات، وهو ذات اختصاص خدمته السابقة في الجيش، وإثر ذلك فضّل الرجل الدمشقي عدم العودة إلى منزله، والبحث عن طريقة تمكنه من مغادرة البلاد، “وهي إن لم تكن آمنة أو موثوقة، إلا أنها أفضل من حمل السلاح في هذه الحرب المجنونة”.
ولا يعتبر أبو مصعب وحيدا في معاناته، فوفق الناشط الإعلامي عمر الشامي، تضم قوائم المطلوبين لخدمة الاحتياط عشرات آلاف الأسماء، وتمكنت قوات النظام حتى الآن من اعتقال وتجنيد الآلاف منهم بطرق مختلفة.
ويشرح الشامي في حديثه للجزيرة نت آلية التجنيد الإجباري بالعاصمة دمشق، حيث تعتبر المداهمات وحواجز الجيش وقوى الأمن، إضافة إلى دوريات الشرطة العسكرية التي تتجول بشكل يومي في الطرقات، أمضى سلاح في يد النظام يستطيع به زج آلاف الشباب والرجال في أتون الحرب.
مدينة بلا رجال
ويساق أولئك الذين تتمكن قوات النظام من اعتقالهم بهدف التجنيد إلى مقر الشرطة العسكرية في مدخل حي القابون شرقي العاصمة، حيث يمكثون يومين أو ثلاثة ينتقلون بعدها إلى منطقة الدريج القريبة من غوطة دمشق الشرقية والتابعة للفرقة الرابعة، حيث يتلقون تدريبات عسكرية لا تتجاوز مدتها عشرة أيام، ليرسلوا بعد ذلك إلى واحدة من الثكنات العسكرية أو الجبهات الساخنة مثل دير الزور أو ريف حماة، دون أي اعتبار لخبرتهم المحدودة في الأعمال القتالية.
ويؤكد الناشط الدمشقي أن حملات التجنيد الإجباري لا تقتصر فقط على المتخلفين عن خدمة العلم أو المطلوبين لخدمة الاحتياط، إذ تتجاوزها في بعض الأحيان إلى طلاب جامعيين على حافة التخرج أو موظفين ممن لم تتجاوز أعمارهم الثانية والأربعين، وهو سن الإعفاء من خدمة الجيش.
ويرى الشامي أن هذه الحملات “ستدفع بآخر من تبقى من الشباب والرجال في دمشق إلى مغادرتها. ولئن كانت نسبة الرجال إلى النساء في دمشق هي واحد لكل سبعة نساء منذ حوالي السنة، فهذه النسبة ستنخفض كثيرا خلال الأشهر القادمة، ولعلنا سنشهد مدينة بلا رجال”.