في وقت تتفاقم فيه الأحوال الإنسانية في الأحياء الشرقية لمدينة حلب، عاصمة الشمال السوري، التي تسيطر عليها فصائل المعارضة وتحاصرها قوات النظام وحلفاؤها، وتربط موسكو موافقتها على هدنة إنسانية جديدة في المدينة بقدرة الأمم المتحدة على إيصال المساعدات، يخرق الأكراد في مناطق سيطرتهم وبالتحديد في منطقة الشيخ مقصود هذا الحصار عبر عمليات «تهريب مواد غذائية وأدوية». الخرق الكردي للحصار الراهن في حلب يتولاه «تجار من المنطقة»، إضافة إلى «أقارب المحاصرين الذين يسكنون في مناطق نفوذ الأكراد في منطقتي الشيخ مقصود والأشرفية». ولقد أبلغ مصدر كردي في حلب «الشرق الأوسط»، أن خط الإمداد هذا «يعتبر التفافًا على حصار النظام لأحياء حلب الشرقية وكسرًا له»، مشيرًا إلى أن الخط «أقيم قبل نحو شهر عبر جسر صغير بُنِي فوق نهر يفصل الشيخ مقصود عن مناطق المعارضة السورية المحاصرة». وأضاف أن الخط يعبر «بين منطقتي الهلك والتل ويصل إلى منطقة الحيدرية». المصدر الكردي أوضح أن المواد المهربة «بالتأكيد لا تكفي السكان، لكنها في أسوأ الأحوال قد تساعد على خرق الحصار ولو بجزء بسيط». ثم أضاف: «مع أن منطقة الشيخ مقصود كانت عرضة لقصف نفذته بعض قوى المعارضة في المنطقة، فإن دواعي تهريب الغذاء والدواء اعتبارات إنسانية»، من غير أن ينفي «أن هناك نشاطًا تجاريًا أيضًا إلى جانب النشاط الإنساني». وأردف المصدر الكردي: «الاعتبارات الإنسانية تحكمها أيضًا روابط الدم والمصاهرة بين سكان حلب، الأكراد والعرب، فضلاً عن أن هناك أكرادا يسكنون أحياء حلب الشرقية»، وهؤلاء هم من النازحين من عين العرب (كوباني) وقرى ريف مدينة الباب، ويسكنون هناك منذ وقت طويل، ويسكنون أيضًا منطقة الصاخور. من جهة ثانية، نبّه الناشط المعارض البارز هادي العبد الله، من أن الأوضاع في الأحياء الشرقية بحلب «غاية في السوء»، لافتا إلى أن «الفصائل العسكرية لم تنجح حتى اللحظة في فك الحصار ما يزيد الوضع الإنساني سوءا». وقال العبد الله لـ«الشرق الأوسط»، موضحًا: «في كل يوم يمضي تختفي أصناف كثيرة من الطعام لا سيما الخضراوات، أما ما تبقى فهو غالي الثمن». وأفاد العبد الله بانتشار «حالات سوء تغذية في صفوف الأطفال وكبار السن»، لافتا إلى أنّه «لو استمر الوضع على ما هو عليه فنحن على موعد مع مضايا جديدة لكن بحجم أكبر». وفي السياق ذاته، قالت وعد، وهي ممرضة تسكن في الأحياء الشرقية في حلب لـ«الشرق الأوسط»، إن «تدهور الأحوال يستمر بوتيرة غير مسبوقة»، لافتة إلى أنّه «ومنذ 80 يوما فقدت كثيرا من المواد الغذائية بشكل نهائي في وقت تتضاعف فيه أسعار بعض المواد 50 مرة». وحسب كلام وعد بات سعر رغيف الخبز الواحد يوازي سعر الربطة ككل قبل الحصار، مشيرة إلى أن سوء التغذية بات يظهر على مجمل سكان الأحياء الشرقية في ظل النقص الكبير في الخضراوات. في هذه الأثناء، أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم أمس السبت أنها ستحتاج إلى تأكيد رسمي من بعثة الأمم المتحدة في سوريا بشأن قدرتها على توصيل المساعدات إلى شرق حلب، قبل أن توافق موسكو على أي هدنة إنسانية جديدة في المدينة السورية. وأعرب الميجر جنرال إيغور كوناشينكوف في بيان عن استعداد وزارة الدفاع لـ«إعلان هدنات إنسانية جديدة في أي وقت بمجرد أن يؤكد ممثلو بعثة الأمم المتحدة في سوريا رسميا استعدادهم وإمكانية توصيل المساعدات الإنسانية إلى شرق حلب وإجلاء المصابين والمرضى المدنيين». وفي المقابل، تحدث سمير نشار،
عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، عن «عملية تجويع» تنتهجها روسيا والنظام السوري لـ«إركاع» سكان حلب الشرقية، وحثّهم على الاستسلام والخروج من مدينتهم على غرار ما حصل في داريا ومعضمية الشام وحي الوعر ومناطق أخرى. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» قال نشار (وهو من مدينة حلب): «أصلا ما كان الاتفاق الأميركي – الروسي الذي تم التوصل إليه في سبتمبر (أيلول) الماضي ليفشل لولا انعدام رغبة موسكو في إدخال المساعدات للأحياء المحررة». ورجّح نشار أن نكون على موعد مع «مأساة جديدة ولكن على نطاق واسع جدا، باعتبار أن الأحياء المذكورة يسكنها ما بين 250 و300 ألف شخص»، لافتا إلى أن «كثيرا من المواد الغذائية كما الخدمات الطبية باتت مفقودة في المدينة». وأضاف: «في النهاية، فإن الثوار والسكان هم أسياد قرارهم، ولا يوجد من يحسم كيف سيتصرفون تجاه ما ينتظرهم نتيجة سياسات النظام وروسيا». جدير بالذكر، أن الأمم المتحدة كانت قد حذرت، أول من أمس الجمعة، من حدوث مجاعة لأكثر من ربع مليون مدني محاصر شرق حلب السورية، نتيجة النقص الحاد في المواد الغذائية. وقال فرحان حق، نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إن «الأمم المتحدة تدرس حاليًا أفضل السبل لمنع موت أكثر من ربع مليون شخص بسبب الجوع في شرقي حلب، ولا بد من التحرك لمنع حدوث ذلك»، موضحا أن «الوكالات الإنسانية لم تتمكن من الوصول للمحاصرين شرق حلب منذ شهر يوليو (تموز) الماضي». يذكر أن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، ستيفن أوبرايان، أفاد في وقت سابق بأن «عمليات الإجلاء أعاقتها عوامل عدة، من بينها التأخيرات في تسلم الموافقات الضروري.
في هذا الوقت أفيد عن لقاء جمع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا بمساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية، حسين جابري أنصاري، في العاصمة الإيرانية طهران، يوم أمس السبت. وذكرت وكالة أنباء «فارس» أن أنصاري ودي ميستورا بحثا خلال اللقاء أحدث التطورات في سوريا، ومن جهتها، نقلت وكالة «سبونتيك» الروسية عن دي ميستورا قوله، إن مباحثاته مع أنصاري «تضمنت دراسة إمكانية تنفيذ خروج المدنيين والمسلّحين من حلب وضرورة وقف كل الهجمات العسكرية في شرق وغرب المدينة.
الشرق الأوسط
.