لندن- “القدس العربي”:
حذرت صحيفة “التايمز” البريطانية من عودة العنف الطائفي إلى لبنان بعد نفاد المال من الحكومة والبنوك والناس بشكل كشف عن خطوط الصدع التي عرتها الحرب الأهلية اللبنانية قبل عدة عقود.
وقال مراسل الصحيفة لشؤون الشرق الأوسط، ريتشارد سبنسر في تقرير بعنوان: “عائلات تبيع الأحذية القديمة ولا لحم للجيش: دوامة لبنان من الكارثة الاقتصادية”. وقال فيه: “عندما يقرر شخص مسؤول عن المال الخروج فهذا يعني أن الرجل الذي يعمل له يواجه مشكلة كبيرة، وعندما قرر ألان بيفاني مدير عام وزارة المالية الاستقالة هذا الأسبوع بعد عقدين في منصبه لم يتردد، وقال: أرفض أن أكون شريكا أو شاهدا على الانهيار”.
وقال إن البلد ينهار نحو مزيد من البطالة والفقر. وهو كلام لم يخالفه فيه إلا قلة من اللبنانيين. وأضاف سبنسر أنه لم يعد لديهم الكلام ليصفوا فيه الانهيار، الانفجار أو التفكك الذي يواجه البلاد والذي حدث في خلال أربعة أشهر. ولكن لا حاجة للكلمات المعقدة لوصف الحال، خاصة أن البلد بكامله، حكومة ومصارف وشعبا أفلس ماليا.
فعلى منصة فيسبوك وضع أبناء الطبقة المتوسطة إعلانات لبيع الأثاث والملابس، وحتى أزواج من الأحذية القديمة. وهذا عدد غير قليل، فعلى خلاف الدول الفقيرة مثل مصر، نصف اللبنانيين كانوا يصنفون أنفسهم أنهم من أصحاب الدخل المتوسط.
وعلى الجانب الآخر من الأزمة، أعلن الجيش اللبناني هذا الأسبوع أنه لن يستطيع توفير اللحم للجنود، في وقت ارتفعت الأسعار إلى ثلاثة أضعاف. وفي اقتصاد مثل لبنان، فنسبة 80% من المواد الغذائية المتوفرة في المحلات هي مستوردة. ولهذا زاد الطلب على العملة الصعبة خاصة الدولار بدرجة ارتفع سعره خمسة أضعاف العملة المحلية.
وفي الوقت الذي حددت الحكومة سعر صرف الدولار الواحدة بـ1.500 ليرة لبنانية، إلا أن السعر غير الرسمي يصل إلى 9.000 ليرة للدولار. ولم يعد لدى شركة الكهرباء الوطنية عملة صعبة لشراء الوقود اللازم لتشغيل المولدات. وتواجه العاصمة بيروت فترة انقطاع يومي للتيار الكهربائي لمدة ثلاث ساعات وهي المدينة المعروفة بمطاعمها الراقية التي تتقاضى 100 دولار على الشخص الواحد.
وفي هذا الأسبوع، زاد انقطاع التيار الكهربائي مثل الأسعار في المحلات إلى عشر ساعات تقريبا. وفي شريط فيديو تم تداوله على منصات التواصل، ولم يتم التأكد منه، ظهر فيه رجل مسلح يسطو على صيدلية لكي يحصل على صندوق من الحفاظات.
وقال سامي نادر، المستشار الحكومي السابق: “سنصبح قريبا مثل فنزويلا” و”لكن فنزويلا لديها نفط على الأقل”. ولا يعاني لبنان من جبل ديون وبطالة وانهيار بالتجارة ولكن من آثار فيروس كورونا الذي زاد من الأزمة.
ولم تعانِ دولة مثلما عانى لبنان من انهيار أو وقع في منطقة حساسة من المنطقة. فالانقسامات الطائفية التي مزقت البلد في الحرب الأهلية قبل 30 عاما عاد إلى السطح من جديد. والأسوأ أنها عادت بنفس التي ظهرت فيها بالجارة سوريا. وحذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أمس من مخاطر عودة العنف.
وما قاد إلى انهيار العملة هو إعلان الحكومة في آذار/ مارس التي زادت ديونها بنسبة واحد ونصف عن الدخل الوطني العام، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم أنها ستتخلف عن دفع ديونها. واعتقدت أن المبلغ 1.2 مليار دولار تافه، وأن المجتمع الدولي سيقوم بتقديم حزمة مساعدة.
ولكن القرار كان بمثابة فشل رمزي، حيث كشفت فيه الحكومة عن عدم قدرتها على دفع مبلغ صغير مما أعطى صورة أن كل النظام الاقتصادي اللبناني هو مهزلة. ولم تكن الحكومة هي التي أفرطت بالاقتراض بل واقترض بنك لبنان من البنوك الخاصة للحفاظ على نسبة الفائدة بالدولار والذي خفض أسعار الاستيراد من طعام ووقود وكل شيء والبضائع الكمالية للأثرياء.
وجاءت القروض من البنوك الخاصة من ودائع الناس العاديين الذين استفادوا من المواد المستوردة الرخصية لكن البنوك هي التي تحتفظ بأموالهم. وبدا أن كل المظاهر التي أبداها لبنان بالازدهار لم تقم على شيء. فلا صناعة فيه والصناعة الوحيدة التي تعتبرها عماد اقتصادها هي الخدمات المصرفية التي أطلقت النار على نفسها.
ويرى الكاتب أن المقارنة مع فنزويلا، تقدم إشارة عن صعوده وانهياره وكذا مشاكله الاقتصادية المحلية، فهو في مركز حرب جيوسياسية بين الولايات المتحدة وأعدائها. فاتفاق المشاركة في السلطة الذي أنهى الحرب الأهلية قبل 30 عاما منح الأحزاب السياسية والدينية حصة وناسب الجميع.
فقد حصل البلد على السلام، ولكن الاتفاق منح أمراء الحرب الاحترام والوزارات وثروات هائلة. وقد استفادت القوى الدولية والإقليمية من الاتفاق حيث أصبح لكل منها ممثله داخل البلد، ولم يحاول أي منها تحدي السياسة الداخلية رغم الفساد الذي لاحظه الجميع.
وفي وثيقة سربها موقع ويكيليكس من برقيات السفارة الأمريكية في بيروت، أن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري الذي كان يعمل معلما في بداية الحرب الأهلية، قد راكم ثروة من ملياري دولار.
واستفاد رفيق الحريري، رئيس الوزراء الذي اغتيل قبل 15 عاما من مرحلة إعمار لبنان ما بعد الحرب بشكل حول شركته إلى أكبر شركة إنشاءات في الشرق الأوسط. ولا يزال بري الذي يقود حزبا سياسيا شيعيا متحالفا مع حزب الله رئيسا للبرلمان.
أما الحريري فقد أجبر ابنه سعد على الاستقالة من منصبه كرئيس للوزراء في تشرين الأول/ أكتوبر، ولكنه لا يزال زعيما للكتلة الموالية للغرب. ويقول إن النزاع الجيوسياسي الحالي بين أمريكا وإيران وزاد بسبب الحرب الأهلية السورية، قاد لانهيار الإجماع.
فالإطاحة بسعد الحريري تعني أن مناشدات لبنان للمساعدة لن تلقى تعاطفا من واشنطن. كما أن إيران التي تعيش مشاكلها الاقتصادية ليست في وارد من يقدم المساعدة رغم أن وكيلها في لبنان، حزب الله يسيطر على الحكومة.
وتكمن أهمية الوضع من ناحيتين، واحدة تتعلق بالعقوبات الأمريكية الأخيرة على سوريا والتي ضربت النظام المصرفي اللبناني. ففي الوقت الذي تاجرت فيه هذه المصارف عبر سمعتها الدولية إلا أن زبائنها قلوا وذهبوا إلى الخليج، ولم يبق لها سوى السوريين كمصدر رئيسي للودائع الأجنبية.
أما الجانب الثاني فهي الولايات المتحدة التي تعتبر مستثمرا كبيرا في صندوق النقد الدولي الذي رفض طلب مساعدة تقدم به لبنان. فواشنطن تريد ربط أي مساعدة بتقزيم دور حزب الله، وتحديدا قطع خطوط التهريب التي تستخدم لنقل البضائع والصواريخ.
ومن المفارقة أن الشروط الأمريكية لم تكن سببا في انهيار المحادثات بين بيروت وصندوق النقد الدولي والتي أدت لاستقالة بيفاني. ولكن طلب التدقيق على النظام المصرفي وحسبة مقدار ديون كل قطاع في الاقتصاد.
وفي الوقت الذي يرفض فيه الساسة تقييمات وزارة المالية ويتحدثون عن الكرامة الوطنية، إلا أنهم كما يقول نقادهم يخشون فضح فسادهم. ويرى الكاتب أن التعاطف مع بيفاني مثير للدهشة، فهو بعد كل هذا هو الرجل الذي طبق كل سياسة دفعت لبنان إلى الحافة. وهذا يصدق على كل شخص في النظام.
ويقول ياسين جابر، النائب عن كتلة أمل وعضو اللجنة المالية في البرلمان: “دعني أكن صادقا معك، أنا عضو عن حزب أمل ولكن عليك في بعض الأحيان أن تترك ضميرك يملي”.
ويرى أن على الحكومة القبول بمطالب صندوق النقد الدولي: “كل الطرق تقود إلى روما وبالنسبة لنا فهي تقود إلى صندوق النقد الدولي”. لكن الحكومة لم تتحرك.
وقال زعيم حزب الله، حسن نصر الله أن الحكومة قد تبحث عن المال في الصين مما قاد للسخرية منه. وقال نادر “هذه نكتة” و”لم أقابل أي وفد جاء من الصين وهم غير مهتمين”.
وفي الوقت الحالي هناك مخاوف حقيقية من نقص الأغذية، بل وإشارات عن المجاعة أثناء الحرب العالمية الأولى التي قتلت 200 ألف شخص. ويقول جاد شعبان، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية في بيروت: “نحن ماضون نحو الكارثة” و”هي كارثة خلقتها الطبقة الحاكمة”.
نقلا عن القدس العربي