واشنطن – لا يزال الغموض يحيط باستراتيجية واشنطن حيال سوريا، إذ أكد البيت الأبيض الأحد أن دونالد ترامب مصمم على سحب القوات الأميركية في أقرب وقت ممكن، بعد ساعات من تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن باريس أقنعت الرئيس الأميركي بالبقاء في سوريا “لمدة طويلة”.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز في بيان نقلته وسائل إعلام أميركية “لم تتغير المهمة الأميركية. كان الرئيس واضحا انه يريد أن تعود القوات الأميريكية إلى الوطن بأسرع ما يمكن.”
وتابعت “نحن مصممون على سحق داعش بالكامل وخلق الظروف التي تمنع عودته. بالإضافة إلى ذلك، فإننا نتوقع من حلفائنا وشركائنا الإقليميين أن يتحملوا مسؤولية أكبر عسكريا وماليا لضمان أمن المنطقة”.
وجاءت تصريحات المتحدثة بشأن الانسحاب لتتناقض مع ما أعلنه ماكرون في مقابلة تلفزيونية مطولة مساء الأحد، مؤكدا أنه أقنع ترامب بعدم سحب القوات الأميركية من الأراضي السورية.
وقال ماكرون إن ترامب بات الآن مقتنعا بضرورة الإبقاء على الوجود الأميركي في سوريا، موضحا “قبل عشرة أيام قال الرئيس ترامب إنّ الولايات المتحدة تريد الانسحاب من سوريا (…) أؤكد لكم أننا أقنعناه بضرورة البقاء مدة طويلة”.
وأضاف معلقا على الضربات “لقد نجحنا في العملية على الصعيد العسكري”، لكنه شدد على أنها لا تشكل إعلان حرب على سوريا.
وأشار إلى أن “الهدف هو بناء ما يسمى بالحل السياسي الشامل” لوقف النزاع المستمر منذ أكثر من سبع سنوات في سوريا، ملمحا إلى أنه لا يرغب في رحيل فوري للأسد عن السلطة.
وتابع أنه من أجل التوصل إلى “هذا الحل الدائم، يجب أن نتحدث مع إيران وروسيا وتركيا”، داعيا من جهة أخرى إلى تحريك العمل الدبلوماسي والمفاوضات بين الغربيين في إطار مجلس الأمن الدولي حيث تملك روسيا حق النقض (الفيتو).
غير أن ترامب أكد في تغريدة له على تويتر أن “المهمة انتهت بنجاح” في سوريا وعلى قواته العودة في أقرب وقت.
اجتماع لاهاي
تعقد منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية اجتماعا الاثنين في لاهاي غداة بدء خبرائها التحقيق في سوريا بشأن تقارير عن هجوم كيمياوي اتهمت دمشق بتنفيذه في دوما، ما حمل دول غربية على شن ضربات غير مسبوقة ضد أهداف عسكرية للنظام وأثار تصعيدا حادا في التوتر الدبلوماسي.
وبعد ساعات على الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا فجر السبت ودمرت ثلاثة مواقع يشتبه بأنها مرتبطة ببرنامج السلاح الكيمياوي السوري، أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية على موقع تويتر وصول فريق تقصي حقائق إلى دمشق ظهر السبت تمهيداً للتحقيق في الهجوم الكيمياوي المفترض في دوما الذي أدى في السابع من أبريل إلى مقتل أربعين شخصاً، وفق مسعفين وأطباء محليين.
واتهمت الدول الغربية دمشق باستخدام غازي الكلور والسارين في الهجوم فيما تنفي دمشق وحليفتها موسكو استخدام أسلحة كيمياوية.
ولم ترد الكثير من التفاصيل حول الاجتماع الذي تعقده منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية الاثنين في مقرها في لاهاي.
وتواجه البعثة مهمة صعبة في سوريا بعدما استبقت كل الأطراف الرئيسية نتائج التحقيق، بما فيها الدول الغربية. وتتعلق المخاطر أيضاً باحتمال العبث بالأدلة في موقع الهجوم المفترض في دوما التي دخلتها قوات روسية وسورية بعد ساعات من الضربات الغربية.
ولم يتم التثبت مما إذا كان الفريق توجه إلى دوما ليبدأ عمله الميداني، كما أعلن معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان قبل الظهر، مؤكدا “سندعها (البعثة) تقوم بعملها بشكل مهني وموضوعي وحيادي ودون أي ضغط”.
وعادة ما يبدأ المحققون عملهم بلقاء المسؤولين، لكن الاجتماعات تعقد خلف أبواب مغلقة، كما يفرض الطرفان تعتيماً إعلامياً على مسار عمل وفد المحققين.
وشاهدت مراسلة فرانس برس الأحد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يدخل الفندق الذي يقيم فيه وفد المنظمة وخرج منه بعد ثلاث ساعات دون الإدلاء بتصريح.
آلية تحقيق جديدة
أما رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي تواجه انتقادات لتحركها خارج إطار الأمم المتحدة، فمن المتوقع أن تتوجه الاثنين إلى البرلمان البريطاني لشرح موقفها.
وكان وزير خارجيتها بوريس جونسون أعلن الأحد أنه ليس هناك خطط لشن المزيد من الضربات مضيفا “أخشى ان تكون النتيجة غير السعيدة لهذا انه إذا قلنا ان تحركنا يقتصر على الأسلحة الكيمياوية (…) سيعني بالطبع انه يجب ان تستمر الحرب السورية”.
وتجري مناقشات في مجلس الأمن اعتبارا من الاثنين حول مسودة قرار جديدة بشأن سوريا قدمها الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون بعد ساعات على الضربات، تنص بصورة خاصة على إنشاء آلية تحقيق جديدة تتعلق باستخدام أسلحة كيمياوية في سوريا.
ومنذ ورود أول التقارير عن الهجوم الكيمياوي، شهد المجتمع الدولي توتراً بين موسكو والدول الغربية.
وأعلنت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي الاحد ان واشنطن ستفرض الاثنين عقوبات جديدة بحق روسيا على صلة باستخدام النظام السوري المفترض للأسلحة الكيمياوية.
وأضافت أن العقوبات ستستهدف “مباشرة كل أنواع الشركات التي تهتم بمعدات مرتبطة بالأسد واستخدام أسلحة كيمياوية”، ملمحة إلى إمكانية فرض عقوبات محددة على شركات روسية.
ودان الرئيس السوري بشار الأسد الأحد “حملة من التضليل والأكاذيب في مجلس الأمن” الدولي.
بدوره، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاحد خلال اتصال هاتفي مع نظيره الايراني حسن روحاني الذي تعد بلاده من أبرز داعمي نظام الأسد إلى جانب موسكو، من أنه “اذا تكررت أفعال مماثلة في انتهاك لميثاق الأمم المتحدة فإن هذا سيُحدث بدون شك فوضى في العلاقات الدولية”.
وإذ أكدت وزارة الدفاع الأميركية أن لا ضربات جديدة مرتقبة ضد سوريا، قالت هايلي إن بلادها “مستعدة للتحرك مجدداً” في حال تكرر استخدام الأسلحة الكيمياوية.
المصدر:صحيفة العرب