أبو محمد عيد نازح هجّرته الحرب الدائرة في سورية، فوجد له ملجأ في ريف إدلب الشمالي. يخبر “العربي الجديد” أنّه جمع كلّ ما يمكن إشعاله في المخيّم الذي يعيش فيه اليوم، مضيفاً “بدأنا نشعر بالبرد القارس ينخر عظامنا، لكنّنا لم نشعل المدفأة بعد. نحاول قدر الإمكان توفير ما جمعته من ورق مقوّى وألبسة قديمة وقليل من الحطب، إلى المقبل من الأيام”. ويتابع أنّه “عندما تشرق الشمس، نسرع (هو وأفراد أسرته) للاستفادة من أشعتها فنشعر بشيء من الدفء. وعندما تغيب، الشمس نستخدم الأغطية ونحن نجلس ملتصقين ببعضنا البعض”، لافتاً إلى “مخاوف من هطول المطر إذ إنّه سوف يلحق الأضرار بخيمتنا. حتى اليوم، لم نستطع نحن ولا غيرنا في المنطقة الحصول على عوازل للمطر، علماً أنّ منظمات كثيرة تسألنا عن احتياجاتنا فتدوّنها قبل أن ترحل من دون رجعة”.
زياد البيطار من سكان ريف إدلب، يقول لـ”العربي الجديد”: “لا نملك أيّ وسيلة للتدفئة، فالمازوت الذي يُعَدّ المادة الرئيسية للتدفئة شبه مقطوع، وفي حال وُجد فإنّه يباع بأسعار مرتفعة بالنسبة إلى الأهالي، ويصل ثمن البرميل منه إلى 220 دولاراً أميركياً. أمّا الطنّ الواحد من قشر الفستق الحلبي والجوز الذي يُستخدم في التدفئة كذلك، فيقدّر بنحو 200 دولار، ويصل سعر المدفأة العاملة على هذا القشر إلى 175 دولاراً. وبخصوص الحطب، فإنّ الطنّ الواحد منه يصل إلى 90 ألف ليرة”. ويشير إلى أنّ “الأهالي هنا، بمعظمهم، مع ارتفاع سعر صرف الدولار وما يرافقه من ارتفاع في الأسعار، لا يعلمون كيف يتدفّؤون هذا العام، علماً أنّ قلّة قليلة فقط أشعلت مدافئها حتى يومنا”.
من جهته، يقول مسؤول الإعلام في المجلس المحلي لبلدة البوابية في ريف حلب، حسين الجمعة، لـ”العربي الجديد”: “لا أملك خيارات كثيرة، لذا أعمد إلى جمع بعض الحطب”، مشيراً إلى أنّ “التدفئة في مناطقنا هي على الحطب أو البالة (الألبسة المستعملة) أو البيرين (جفت الزيتون) أو الفحم البرّي أو المازوت غير المتوفّر للجميع. أمّا الأسعار فمرتفعة جداً”. ويوضح أنّ “البالة تأتي من تركيا ويباع كلّ 350 كيلوغراماً منها لقاء 60 دولاراً، بالتالي هي أرخص المواد التي يمكن شراؤها”، مؤكداً أنّ “الناس يشكون من أوضاع مادية متدهورة، وأحياناً لا يعرفون كيف يتدبّرون ثمن ربطة خبز”. ويلفت إلى أنّه “في خلال الأعوام الماضية، لكثرة الاعتماد على الحطب، فُقدت الأشجار. لذلك، أظنّ أنّ الحال في فصل الشتاء هذا سوف تكون أكثر قسوة، خصوصاً بالنسبة إلى سكّان المخيمات”.
في السياق، يناشد مدير مكتب الإغاثة في المجلس المحلي لبلدة الزربة في جنوب حلب، محمود المحمد، عبر “العربي الجديد” المنظمات الإنسانية تقديم المساعدة، قائلاً إنّ “الوضع صعب جداً اليوم، خصوصاً في ما يخصّ التدفئة. لدينا أكثر من 900 عائلة نازحة تعيش في مخيمات البلدة في ظلّ عوز كبير على كلّ المستويات”. يضيف أنّ “الناس لا يدرون ماذا يفعلون. بعض منهم يجمع روث الحيوانات أو النايلون والأوراق والألبسة البالية ويشعلونها، وثمّة آخرون لا يوفّقون بالحصول على هذه المواد أو غيرها للحصول على الدفء”. ويتابع المحمد: “نحن كمجلس محلي نتوجّه إلى منظمات كثيرة، لكنّنا لا نلقى تجاوباً من أيّ منها”، مؤكداً أنّ “المشهد على الأرض مؤلم جداً. في أحيان كثيرة، يبحث أفراد عائلة بأكملها في القمامة عمّا يمكن إشعاله في المساء، وذلك في خيم من دون عازل لا تردّ عنهم البرد ولا المطر. لكن ثمّة عائلات كثيرة لا تملك مدافئ في الأساس ولن تتمكّن من الحصول على وسيلة تدفئة قريباً”.
ويتحدّث مصدر مطّلع على الوضع الإغاثي في الشمال السوري، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ”العربي الجديد”، عن أن “الوضع كارثي بكلّ ما تعنيه الكلمة في الشمال، وسط تراجع الدعم على مستويات مختلفة”. ويشرح أنّ “الدعم مفقود في ما يتعلق بالمحروقات الخاصة بالتدفئة والتي ترتفع أسعارها بشكل جنوني، في حين لا تتوفّر الكهرباء كمصدر للتدفئة فيعتمد سكان هذه المناطق على مولدات الكهرباء أو الألواح الشمسية”. لكنّ المصدر نفسه يلفت إلى أنّ “ثمّة مناطق تتلقى دعماً نسبياً قد يسمح للعائلات بشراء أغطية أو مدفأة، غير أنّ ذلك لن يحلّ مشكلة التدفئة كلياً في ظلّ تعدّد المشاكل المعيشية في الشمال”.