تحت شعار “الشعب يريد السلام”، خرجت مظاهرة في مدينة التل بريف دمشق رفضا للحرب. وأمام تلويح النظام بسلاح الجوع والحصار والسيناريوهات المتكررة للتصعيد العسكري قبل فرضه السلام قسرا، بات هذا السلام معه “شرا لا بد منه”.
“بضعة براميل متفجرة كانت كافية لإثارة الذعر بيننا.. لقد عانينا الأمرّين حتى الآن ولم نعد قادرين على تحمل المزيد، وليس أمامنا اليوم سوى اختيار السلم رغم مرارة هذا الخيار”.
بهذه الكلمات تحدث أبو خليل للجزيرة نت بعد مشاركته الجمعة في مظاهرة دعت إلى رفض الحرب في مدينة التل بريف دمشق، تحت شعار “الشعب يريد السلام”.
وقد يبدو وصف أبو خليل للسلم “بالخيار المر” غريباً، إلا أن سياسة النظام السوري في فرض المصالحة بشكل قسري على سكان المناطق الخارجة عن سيطرته عبر التلويح بشبح الحرب أو الحصار، جعلت من السلم والمصالحة “شراً لا بد منه” لكثيرين.
وفي سيناريو مشابه لما حدث في بلدتي قدسيا والهامة بريف دمشق منذ أسابيع، شهدت مدينة التل الواقعة بريف دمشق الشمالي الغربي تصعيداً عسكرياً مفاجئاً خلال الأيام الفائتة، حيث تعرضت أحياء منها لقصف عنيف بالبراميل المتفجرة أدى إلى سقوط عدد من الضحايا والجرحى، ونزوح المئات من السكان إلى مناطق أكثر أمناً داخل المدينة وخارجها.
ويأتي هذا التصعيد رغم الهدنة الهشة التي تعيشها التل منذ أشهر طويلة بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة الذين ما زالوا يعيشون فيها، وهي هدنة تسمح بحركة محدودة للأهالي وبإدخال كميات غير كافية من مستلزماتهم مع فرض الإتاوات عليها، إلا أنها “أفضل من الحرب والحصار المطبق” بنظر كثيرين.
غير أن النظام أبى الالتزام بهذه الهدنة كما لم يلتزم بغيرها، وآثر استكمال مخططه في استعادة السيطرة التامة على كافة المناطق المحيطة بالعاصمة تباعاً.
وحين انتهت مهمة البراميل المتفجرة جاء دور لجان التفاوض التي طرحت بنوداً لعودة الهدوء إلى المدينة، تتمثل في خروج المسلحين مع أسلحتهم الخفيفة وتسليم كل ما تبقى من أسلحة، وتسوية أوضاع المطلوبين والمتخلفين عن خدمة العلم.
ولم تُقدم أي وعود بالإفراج عن معتقلي المدينة، إلا أن النظام تعهد بفتح كافة معابر المدينة وإلغاء الإتاوات المفروضة لإدخال البضائع، والالتزام بعدم دخول الجيش والأمن إلى المدينة إلا بمرافقة لجنة مختارة تعمل بإمرة الأجهزة الأمنية لحماية المدينة وسكانها.
نكثف الوعد
ووفق الناشط الإعلامي أحمد البيانوني، فقد بدأت يوم الثلاثاء الفائت حملة النظام العنيفة على التل، حيث نقض بنود التهدئة السارية فيها واستقدم تعزيزات كبيرة، محاولاً اقتحام المدينة من عدة محاور أهمها وادي موسى والمجر والرويس وأرض الضيعة، وترافق ذلك مع قصف عنيف بالبراميل المتفجرة.
ودفع القصف والاشتباكات آلاف المدنيين إلى النزوح، لكن حصار النظام شبه المطبق للمدينة لم يسمح لمعظمهم بالتحرك إلا إلى منطقة حرنة الشرقية الواقعة تحت سيطرة النظام، والتي لا يمكن لها بأي حال أن تستوعب إلا قسماً صغيراً من سكان التل.
ورأى البيانوني في حديث للجزيرة نت أن هذا التصعيد المفاجئ ما هو إلا رغبة من النظام السوري في إكمال مخططه لإخضاع ريف العاصمة كليا، وهو مخطط بدأه مع مدينة داريا غرب دمشق في أغسطس/آب الماضي وسيستمر ليشمل كل الريف الخارج عن سيطرة النظام.
وتبعت تلك الحملة العسكرية جهود حثيثة من قبل النظام للتفاوض مع أهالي التل والأطراف الأساسية الفاعلة فيها بهدف إخراج جميع حاملي السلاح والمطلوبين وترحيلهم إلى خارج المنطقة، وهي مفاوضات اختلفت وجهات نظر أهالي المدينة بشأنها.
فبحسب البيانوني -الذي يدير تنسيقية التل الإعلامية- “وافق قسم من سكان المدينة على بنود النظام للتسوية، ورفضها البعض الآخر ممن لا يرغب في خروج مقاتلي المعارضة منها، إلا أن الجميع اتفق على رفض الحرب والرغبة في السلم وتجنيب المدينة المزيد من الدمار والموت”.
وأكد الناشط الإعلامي أن التحضيرات بدأت لنقل حاملي السلاح والمطلوبين غير الراغبين في تسوية أوضاعهم مع النظام، حيث ستنطلق أولى الحافلات من التل إلى إدلب يوم الخميس المقبل، وذلك “وسط حزن ودموع تصعب مغالبتها، فرحيل المئات مجبرين عن أرضهم ومنازلهم قد يكون أصعب ما تعرضوا له خلال هذه السنوات الخمس”.
الجزيرة