وسط تزاحم كبير يمسك رامي بيد أمه بقوة خشية أن يضيعها بين الحشود التي أتت من كافة أنحاء مدينة ادلب لتلتقي في مكان للتسوق أو مايسمونه”البازار” والذي يحمل في طياته بساطة “الدراويش” وتراثا شعبيا لم تستطع فخامة المحال التجارية أن تحد من شعبيته.
لم يقتصر انتشار ظاهرة سوق البازار الأسبوعي في مدينة ادلب لتتعداها إلى مختلف أرياف وقرى المحافظة، فلكل مدينة يومها الخاص من الأسبوع يفترش فيه أصحاب “البسطات ” بضائعهم على جوانب الطرقات منذ ساعات الصباح الأولى ويقومون بتجهيزها لاستقبال الناس البسطاء.
ساهمت سنوات الحرب المنصرمة بدثر العديد من العادات التراثية الأصيلة التي تعنى بكل مدينة سورية كالأعراس وحفلات استقبال المولود الجديد وطقوس الأعياد، إلا أن سوق البازار في محافظة إدلب لازال محافظا على رونقه الشعبي رغم ماتعرضت له المحافظة من قصف ونزوح خلال الأشهر الماضية عقب تحريرها من قوات النظام في أواخر آذار الماضي.
يتجول رامي برفقة والدته بين “البسطات” متأملا أن تشتري له والدته قطعة ملابس جديدة تفرح قلبه، لكن والدته أحبطت آماله البريئة باتجاهها “لبسطات البالة” أو الملابس القديمة، والتي تشكل 70% من حجم البضائع المعروضة.
سبب تدهور سعر صرف الليرة السورية مقارنة مع العملات الأجنبية الأخرى بالإضافة لخروج معظم مصانع الألبسة الجاهزة عن العمل وصعوبة عملية النقل بين المحافظات لارتفاع أسعارها، الأمر الذي زاد من انتشار الألبسة المستعملة كونها تلبي حاجة المواطنين بما يتناسب مع دخلهم المحدود.
“أي قطعة ب50 ليرة” كلمات ينادي بها باعة البالة بأسعار شبه رمزية لجذب أكبر عدد من الزبائن ليتهافتوا عليها لانتقاء أفضل القطع وأجودها، فتجد فيها كل ماتحتاجه من ألبسة خارجية وأحذية وأغطية وحتى المناشف.
لا تقتصر بسطات البازار على ألبسة البالة بل تجد فيها ألبسة جاهزة بأسعار تنافس أسعار السوق، فضلا عن بسطات للخردوات ومواد التنظيف والصابون التي يفوح عبيرها في أرجاء “البازار”.
وفجأة ودون سابق إنذار يسمع دوي الطائرة في سماء المدينة لتمسك أم رامي بيد ابنها وتركض كغيرها والخوف يرتسم على معالم وجهها وتهرع إلى أحد الأبنية القريبة لتختبئ مع ابنها خشية أن تقوم الطائرة بإلقاء أحد براميلها، وتردد بصوت مرتجف أدعية علها تريح قلبها وتبعد تلك الطائرة التي تستهدف تجمعات المدنيين لترتكب أفظع المجازر بحقهم.
“أمي لاتقلقي لقد رحلت الطائرة بعيدا دعينا نعود للبازار، ألم تعديني بشراء لعبة “سبايدرمان؟”، رغم الخوف من الطيران إلا أن الطفولة تتغلب على مشاعر رامي، فعيناه البريئتان تتجه نحو بسطات الألعاب المنتشرة بكثرة في البازار.
مهما دمر النظام وشرد واعتقل ستبقى الحياة تنبض بقلوب السوريين ولازال الأمل موجودا بأن إرادتهم القوية ستقهر كل من يحاول المساس بكرامتهم وإنسانيتهم، وستبقى عاداتهم الشعبية رمزا يعبر عن هويتهم وحبهم لوطنهم.
سماح خالد
المركز الصحفي السوري